نظمت كلية اللغة العربية بالزقازيق الندوة الثقافية الثانية، وذلك فى إطار موسمها الثقافى، حيث قلب المشاركون فى الندوة صفحات ناصعة من التاريخ، تؤكد بالوقائع أن الأزهر الشريف كان وسيظل منارة كبرى تنشر شعاع الهدى والتنوير والمعرفة؛ وأنه كان وسيظل ملاذا لكل المستضعفين ضد المستبدين، وكلمة الحق فى وجه المستعمرين والمستكبرين.
فى البداية قال الدكتور سعيد الهلالى، وكيل الكلية، فى افتتاح الندوة، إن الأزهر قاد العالم الإسلامى وراده بوسطيته وكان ملاذا للوطن بوسطيته وتفانى شيوخه وعلمائه فى حب الوطن والدفاع عنه ضد المستعمرين والحاقدين عليه وهذه الجملة التى تجرى على ألسنة العامة عند الشدائد: "يا خراشى" هى أكبر دليل على ذلك؛ لأن الخراشى هو شيخ من شيوخ الأزهر وعالم من علمائه كانت الناس تستغيث به عند الشدائد؛ وهذا ما يؤكد دور الجامع الأزهر وشيوخه فى الحفاظ على الوطن بل على الهوية العربية والإسلامية عبر التاريخ.
وأضاف: وفى هذا المقام يحضرنى ما كتبه عالمنا الجليل الدكتور محمد رجب البيومى فى كتابه النفيس "الأزهر بين السياسة وحرية الفكر" حيث أبان ووضح رحمه الله دور الأزهر فى العصر المملوكى فمنذ أعيد افتتاح الجامع الأزهر الشريف رأى الظاهر بيبرس أن يعيد للأزهر دوره التعليمى والدينى والثقافى من جديد، فبدأ يجذب رواد القاهرة بعدما اصبحت القاهرة العاصمة الثقافية بعد أن هزمت ونكبت العواصم الأخرى بالغزو والتدمير تارة على ايدى الحملات الصليبية، ثم اكتملت بالهجمة الهمجية التترية من العلماء والطلاب، ليعلموا ويتعلموا الجديد فى صحنه وحلقات درسه، وجاء سلطان العلماء العز بن عبدالسلام ومحيى الدين النووي، وابن دقيق العيد، وكان لهؤلاء دورهم السياسى والاجتماعى والعلمى.
وتابع الهلالى الحديث عن دور الأزهر الوطنى التاريخى من خلال سرد الدكتور البيومى لحال الأزهر فى العصر العثمانى عندما تصارعت سلطة المماليك والوالى المرسل من قبل الأستانة، وضاع الشعب إثر طمع الحكام ونهمهم إلى جمع المال، وأدَّى هذا النزاع الدائر بين من يمثلون الدولة العثمانية وأمراء المماليك إلى آثار سيئة أتت على الشعب بثمرات مريرة أضعفت كاهله وأوهنت عزيمته، وكان لشيوخ الأزهر فى هذا العصر كالإمام الدردير والشيخ الشرقاوي، مواقف لا تنسى حينما وقفوا وتصدوا للمماليك، وانتصروا للشعب الذى لجأ اليهم، ووقعوا على وثيقة تنظم العلاقة بينهم وبين الشعب، وهؤلاء العظام من مشايخ الأزهر وعلمائه هم من جاهدوا ضد الحملة الفرنسية وبعد رحيلها عن البلاد حيث كان الأزهر هو سيد القرار ومكان اتخاذه فى تعيين محمد على، وما كان لزعامة الأزهرى السيد عمر مكرم وقتذاك، وهذا ما تأكد معرفته من محمد على حينما أدرك خطورة رجال الأزهر وتأثيرهم فى العامة والشعب، فأخذ يعمل على سحب البساط تدريجيًا من تحتهم، وشرع فى زرع الشقاق والنزاع بينهم، ولكن الجبرتى تنبه لذلك ووقف له بالمرصاد، وأخذ يحصى عليه أخطاءه، ثم بعد ذلك لم يتوقف دور الأزهر الوطنى فى دعم قضايا التحرر الوطنى من الاستعمار، ومساندة الأزهر القوية للثورة العرابية وقائدها عرابى الذى تعلم فى الأزهر، وتأسست مواقفه وبنيت اتجاهاته فى هذا الجامع العريق، وأثناء وقائع الثورة كان للأزهر وموقفه المشرف فوقف رجاله يلعنون مروق الخديوى عندما انحاز إلى جانب الاحتلال وبعد انتهاء الثورة وإخفاقها تعرض زعماؤها للمحاكمة ونُكل بهم، فكان منهم من سحب على وجهه، على كبر سنه، ووهن العظم، فمات بعد أن عذب ورمى به فى مستشفى بدائى، وهو شيخ المالكية محمد عليش، ومنهم من صودرت أمواله ودياره، ثم رمى به إلى المنفى ومنهم الشيخ عبدالرحمن عليش وقد نفى إلى الأستانة، والشيخ محمد عبده وقد نفى إلى بيروت، وبعد الثورة لم يستسلم العلماء المبعدون للأحزان وما وهنوا، بل كان منهم من ضاعف العمل لمحاربة المستعمر وهو منفى عن البلاد، ومنهم الإمام محمد عبده الذى ترك منفاه بيروت، وذهب إلى باريس، ويلتقى بأستاذه الإمام جمال الدين الأفغاني، ويقابلان أساطين الساسة من الوزراء والنواب، ويكتبان فى الصحافة العالمية، منددين بفظائع الاستعمار فى كل بلد إسلامي، ثم ما كان للأزهر فى ثورة 1919، فى وقائعها وأحداثها، حيث كان الأزهر هو مهد الثورة ومعقلها وكان سعد زغلول قائدها ورمزها ازهريًا تعلم فى الأزهر وكان علماء الأزهر من يلهبون الحماس ويحشدون الناس، وكان أول شهيد للثورة هو نجل أحد علماء الأزهر.
وقال الدكتور صابر عبد الدايم، عميد الكلية الأسبق، إن الأزهر الشريف كان وسيظل منارة كبرى تنشر شعاع الهدى والتنوير والمعرفة؛ ليس فى مصر فقط، ولكن فى أرجاء المعمورة كلها، والأزهر منذ أكثر من ألف عام وهو يحمل أعباء الدعوة والفكر الإسلامى وتوصيل صورة الإسلام إلى العالم كله فى صورتها الوسطية المعتدلة المتوازنة، لا لشيء سوى أنه التزم الوسطية منهجًا، والتى تتصف بالدقة والتكامل والوسطية والاعتراف بالآخر؛ فالأزهر تدرس فيه كل المذاهب من دون تمييز حتى المذهب الشيعى يدرَّس فيه، فليس فيه إقصاء لفكر؛ ولعل هذا هوما كتب له الخلود والريادة والحب والتقدير من كل علماء المسلمين، الجميع يجد نفسه فيه، ويفد إليه طلاب المعرفة من جميع دول العالم ثم يعودون وقد تزودوا بمعارف متعدة دينية واجتماعية وعلمية، وهذا الدور الحضارى للأزهر الشريف تنتابه عوامل الضعف والقوة من وقت لآخر، ولكنه ما يلبث أن يستعيد دوره المؤثر فى نشر الأفكار المعتدلة فى ضوء احترام المذاهب، وتنوع الاجتهادات، وتقبل الآخر.
ونبَّه عبد الدايم إلى أن المفكر الكبير عباس العقاد أشاد بالأزهر فقال عنه :"هو معهد الدين الحصين، وحصن اللغة المكين" كما أشاد بأعلام الأزهر وفى مقدمتهم الشيخ محمد عبده والشيخ محمود شلتوت الذين نادوا بتطوير الأزهر لمواكبة العصر. مضيفًا أن دور شيوخ الأزهر فى تأصيل قضايا الفكر الإسلامي، والتقريب بين المذاهب فى ضوء المتغيرات العالمية لا يستطيع أن ينكره أحد، ومجهوداتهم واضحة فى مجال تحقيق التراث العربى والإسلامي، والرد على المستشرقين وتقويم مناهجهم وأفكارهم، وكذلك فى تأصيل الدراسات اللغوية والأدبية والشرعية وتوحيد فكر الأمة، من خلال التكامل المعرفى والتلاقى بين التخصصات المتعددة، مع التركيز على تجلية أثر وسطية الأزهر الشريف فى تقريب المفاهيم بين التيارات والمذاهب الفكرية والعقدية. وفى المجال الدعوى من خلال الانفتاح على قضايا الأمة السياسية والاجتماعية والفكرية، إضافة لقضايا العقل والنقل فى الفكر الإسلامي، وتناول معالم الاتفاق بين مذهبى السنة والشيعة، ولا يخفى دورهم الرائد فى مجال تأصيل الفلسفة الإسلامية وتطوير معالمها، إضافة لتناول أفاق الفكر الإسلامى بين التقليد والتجديد مع التأكيد على وسطية منهج الأزهر الشريف. والدور المتميز فى مساندة الثورات فى مصر ومقاومة الاستعمار، ومواجهة الفكر المتطرف وتاريخ مشايخ الأزهر حافل بآثارهم العلمية فى نشر الإسلام فى إفريقيا وآسيا وأوروبا.
عاصم شرف الدين