11 ديسمبر, 2016

الاحتفال بالمولد النبوى.. كيف نجعله بهجة وطاعة؟

الاحتفال بالمولد النبوى.. كيف نجعله بهجة وطاعة؟

 يحتفل المسلمون بمولد النبى صلى الله عليه وسلم كل بطريقته، فمن حريص على أكل الحلوى وفقط دون تعظيم للذكرى ومن يقيم الاحتفالات الفلكلورية التى تفقد المناسبة جلالها وغير ذلك، بل إن هناك من أنكر الاحتفال بالمولد النبوى أصلا.. لذلك توجهت «صوت الأزهر» إلى علماء الدين للتعرف على الطريقة الصحيحة للاحتفال بالمولد النبوى الشريف وهل احتفل النبى صلى الله عليه وسلم بمولده؟ هذا ما نتعرف عليه فى التحقيق التالى.

من جهته قال الدكتور غانم السعيد أستاذ الادب والنقد بجامعة الأزهر، لاشك أن مولد البشير محمد صلى الله عليه وسلم كان يوما عظيما، احتفل فيه الكون كله بمقدمه صلى الله عليه وسلم.

ولفت إلى أنه كما احتفل الكون بمقدمه صلى الله عليه وسلم فإنه هو نفسه صلى الله عليه وسلم قد احتفل بمولده، فقد ثبت عنه  - صلى الله عليه وسلم - أنه فعل عقيقته يوم مولده، وقال النبى عن صيام يوم الاثنين «ذاك يوم ولدت فيه»، كما احتفل أيضاً بالذكريات الطيبة عند بعض الأنبياء الذين سبقوه، فإنه لما سأل اليهود عن صومهم يوم عاشوراء، فأجابوا: إنه اليوم الذى نجَّا الله فيه موسى، فقال لهم: نحن أحق بموسى منكم وصامه فى العام التالى احتفاء بتلك الذكرى الطيبة.

 وأشار إلى أن الله قد حيا اليوم الذى ولد فيه عبده عيسى عليه السلام، فقال: «والسلام عليه يوم وُلد..»، كما أن عيسى عليه السلام قد احتفى بهذا اليوم فأحياه بالتحية له والسلام عليه، فقال الله تعالى على لسانه: «والسلام عليّ يوم وُلدت..»، لافتا إلى أن للحافظ السيوطى رسالة سماها «حسن المقصد فى عمل المولد»، قال فيها: «فقد وقع السؤال عن عمل المولد النبوى فى شهر ربيع الأول ما حكمه من حيث الشرع؟ وهل هو محمود أو مذموم؟ وهل يثاب فاعله أو لا؟ والجواب عندى: «أن أصل عمل المولد الذى هو اجتماع الناس، وقراءة ما تيسر من القرآن، ورواية الأخبار الواردة فى مبدأ أمر النبى صلى الله عليه وسلم وما وقع فى مولده من الآيات ثم يمد لهم سماط يأكلونه وينصرفون من غير زيادة على ذلك هو من البدع الحسنة التى يثاب عليها صاحبها لما فيه من تعظيم قدر النبى صلى الله عليه وسلم وإظهار الفرح والاستبشار بمولده الشريف».

وتابع الدكتور غانم السعيد: «يضاف إلى ما ذكره السيوطى من كيفية الاحتفال بالمولد النبوى أن على المسلمين أن يلتزموا بسنة رسول الله قولا وفعلا وأهم ما يطالبون به الآن أن يتأسوا به فى العمل الجاد المتقن الذى ينهض بالوطن ويبعث الأمل فهو الذى يقول صلى الله عليه وسلم: «إن الله يحب أحدكم إذا عمل عملا أن يتقنه» كما أن من واجبات الاحتفال بمولده نبذ الفرقة والاعتصام بحبل الله لتتعزز الروابط الاجتماعية وينتهى النزاع والشقاق الذى يضعف الأمة ويذهب بريحها بين الأمم».

 ولفت إلى أن هذه الأفعال هى الاحتفالات المطلوبة والمرغوبة فى مناسبة المولد النبوى الشريف، أما ما عداها مما نشاهده من تصرفات لا علاقة لها بجلال المناسبة فهى مرفوضة بل محرمة مثل حلوى المولد التى اصطنعها الفاطميون، أو ما يسمى بزفة المحمل وموكب الخليفة وكثير من هذه الخدع التى تحدث بقصد الاسترزاق كمن يضع أسياخا من حديد فى جسده مدعيا بأنها كرامات وما هى إلا خرافات وخزعبلات يجب مقاومتها بالدعوة إلى الله على بصيرة وبالأخذ بقوة على يد هؤلاء الدجالين المشعوذين.

 من جانبه، قال الشيخ محمد وسام، مدير إدارة الفتوى المكتوبة وأمين الفتوى بدار الإفتاء المصرية، إن المُسلمين اتفقوا وانعقدت كلمة إجماع فى الأمة على استحسان الاحتفال بالمولد النبوى الشريف، ولم يظهر الإنكار إلا من النابتة فى السنين المتأخرة، موضحاً أن أئمة المسلمين أجمعوا على جواز الاحتفال بمولد رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ولم يُنكر ذلك أحد من علماء المسلمين سلفاً وخلفاً.

 ولفت إلى أن إجماع الأمة، انعقد بأنه عندما يأتى شهر ربيع تهل الأفراح، ولم يظهر الإنكار من أحد إلا من بعض المتأخرين، وإلا فلم استشكل بعض العلماء الاحتفال بالمولد وأنه لم يحدث فى العصر الأول، رد عليه أهل العلم، وألف الإمام السيوطي  كتابه «حُسن المقصد فى عمل المولد»، مشيراً إلى أن الحافظ ابن حجر نص على استحسان ذلك وكذلك الحافظ بن ناصر الدين الدمشقى.

وأضاف أن كل يوم من هذا الشهر الكريم مُشرف ومُعظم، حيث إن الله سبحانه وتعالى اختار للنبى -صلى الله عليه وسلم- هذا الشهر، شهر ربيع الأنور، واختص منه يوم الثانى عشر من شهر ربيع الأول، ليكون يوم مولد خير الانام، مؤكدا أن هذا اليوم هو ما أجمع عليه جماهير أهل العلم والمؤرخين، والذى عليه عمل المسلمين عبر القرون أنهم يحتفلون بالثانى عشر من شهر ربيع الأول.

من جهته قال الدكتور عادل عبدالله هندى مدرس بكلية الدعوة الإسلامية جامعة الأزهر بالقاهرة، إنّ قضية الاحتفاء والاحتفال بمولد رسول الله تعالى بالطريقة الصحيحة فرض على كل مسلم محب لنبيه ورسوله محمد -صلى الله عليه وسلم، ولكن طريقة الاحتفال هى التى تحدّد الحلال والحرام، والمباح والممنوع، كما تعلّمنا من القرآن والسنة، وإجماع الأمة ومن بين صور الاحتفال الغائب فى حياة الكثير من أبناء الأُمّة، طاعته صلى الله عليه وسلم فيما أمر، والانتهاء عمّا نهى عنه، قال تعالى:  }قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِى يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ{، ويقول سبحانه: }وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ{، ومعايشته فى سيرته والتخلق بأخلاقه فى كل حدث من أحداث الحياة، قال تعالى: }لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِى رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيراً{، وهو القائل: إنما بعثت لأتمم مكارم - محاسن- صالح الأخلاق.. فلنلتزم بأخلاقه، فالاحتفاء الحقيقى يكون بالتخلق بأخلاقه العظيمة. 

ولفت مدرس الدعوة الإسلامية إلى أن من مظاهر الاحتفال بميلاد النبى الكريم الاتحاد تحت رايته والتمسك بوحدة أمته، فإنه حينما تعود الأمة للوحدة والاعتصام فقد احتفلنا بحق حق الاحتفال، قال تعالى: }وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ وَاصْبِرُوا إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ{، والدعوة إلى منهجه وسنته وسيرته، وإرشاد الناس للخير: فعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «بَلِّغُوا عَنِّى وَلَوْ آيَةً، وَحَدِّثُوا عَنْ بَنِى إِسْرَائِيلَ وَلاَ حَرَجَ، وَمَنْ كَذَبَ عَلَيَّ مُتَعَمِّداً، فَلْيَتَبَوَّأْ مَقْعَدَهُ مِنَ النَّارِ».

 وأوضح أن من ضمن مظاهر الاحتفاء به أيضاً نصرة المظلوم من أتباع دينه والسائرين على طريقته، فكما عند مسلم فى صحيحه من حديث النُّعْمَانِ بْنِ بَشِيرٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَثَلُ الْمُؤْمِنِينَ فِى تَوَادِّهِمْ، وَتَرَاحُمِهِمْ، وَتَعَاطُفِهِمْ كمَثَلُ الْجَسَدِ إِذَا اشْتَكَى مِنْهُ عُضْوٌ تَدَاعَى لَهُ سَائِرُ الْجَسَدِ بِالسَّهَرِ وَالْحُمَّى»، فعلينا الاحتفاء به بعودة حكيمة وحميدة إلى سنته وسيرته، ولنتخلّق بأخلاقه، ولنهتد بهديه، ولنقتف أثره فى كل حين.

  أحمد نبيوة

قراءة (1719)/تعليقات (0)

كلمات دالة:
1345الأخير