18 ديسمبر, 2016

من يوم مولد النبي .. يستشعر الناس رحمته بأمته

من يوم مولد النبي .. يستشعر الناس رحمته بأمته

كشف الدكتور مصطفى عبدالعظيم عبدالرازق، مدرس التفسير وعلوم القرآن المساعد بكلية أصول الدين جامعة الأزهر بأسيوط، عن حقيقة بشرية النبى (صلى الله عليه وسلم) واختلافه عن غيره من البشر والفرق بينه وبين باقى الأنبياء، مؤكدًا أن الاحتفال بالمولد النبوى جائز ومستحب كونه يعظم النبى الكريم ويستشعر الناس من هذا اليوم رحمته (صلى الله عليه وسلم) بأمته، وإلى نص الحوار.

فى البداية.. كيف ترون مظاهر الاحتفال بالمولد النبوى الشريف؟

- الاحتفال بالمولد النبوى الشريف كلمة تتردد كثيرًا فى مثل تلك الأيام من كل عام، لكن مظاهر الاحتفال تختلف، وتتنوع من بلد إلى بلد، ويظل الدافع واحدًا وهو تعظيم الجناب النبوى الشريف، واستشعار كونه رحمة مهداة للعالمين، ولكن دعونا نتناول جانبًا بعيدًا عن المألوف فى تلك المناسبة العطرة، قريبًا من وجوب بيان عظمة الجناب النبوى الشريف، وهو الحكمة العظمى وراء بشرية سيدنا النبى، والمفهوم الصحيح لها.

ماذا تقصدون ببشرية النبى صلى الله عليه وسلم؟

- هناك الكثير من يفهم معنى بشرية الحبيب بشكلٍ خاطئ، وإن شئت قلت فيها تقليل للشأن العظيم لسيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهناك من يتخذ من ذلك ذريعة يشطح منها لمحاولة تقديم أشياء بعيدة كل البعد عن منهج الحق، كمن يدعى أن النبى أولاً وآخرًا بشر وعليه فلا مانع من تجسيده- عليه الصلاة والسلام-، وتمثيله فى الدراما والسينما!!.

أفهم من ذلك أنك تختلف مع رأى هؤلاء؟

- بالتأكيد أختلف مع كل من ينتقص من قدر الرسول (صلى الله عليه وسلم) وينظر إليه على أنه كباقى البشر حيث إن هناك الكثير من الآيات القرآنية المباركة جاء بها الأمر الإلهى لسيدنا النبى أن يقول مخبرًا عن نفسه أنه بشر، كقوله تعالى: { قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُوحَى إِلَى أَنَّمَا إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَاسْتَقِيمُوا إِلَيْهِ وَاسْتَغْفِرُوهُ وَوَيْلٌ لِلْمُشْرِكِينَ} فصلت: 6، ورغم أن هذه الآية الكريمة صريحة فى الإخبار أن سيدنا محمدًا بشر، لكن يجب علينا ألا نغفل عن شق آخر غاية فى الأهمية لا يمكن فصله عن الشق الأول وهو كونه- عليه السلام- يوحى إليه فى قوله تعالى: «يوحى إلى»، وبهذا فإن هذه الجملة الكريمة غاية فى الأهمية والكثير من يغفل عنها ويتمسك بالجزء الأول فقط، وذلك كمن يقول قارئا: «لا تقربوا الصلاة»، ويغفل عن «وأنتم سكارى» أو كمن يروى عن سيدنا «الحلال بين والحرام بين» ويغفل عن «وبينهما أمور متشابهات»، ولذلك عندما أراد أحد أعداء الإسلام - حديثًا- الطعن فى الإسلام ورسوله سأل أحد العلماء قائلا له: «لمَ كل تلك الجامعات والكليات الإسلامية فى بلادكم ورسولكم كان أمياً؟!» فأجابه قائلا: «ولكنه كان يوحى إليه!، فأعطنا الوحى ولا حاجة لنا بعد ذلك لتلك الجامعات».

لقد كان الكفار فى كل زمان يعيبون على رسل الله أنهم مجرد بشر، ويجعلون بشريتهم أقوى عامل لتكذيبهم، والطعن فى صدقهم، قال تعالى حكاية عن قوم شيخ الأنبياء نوح: {وَقَالَ الْمَلَأُ مِنْ قَوْمِهِ الَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِلِقَاءِ الْآخِرَةِ وَأَتْرَفْنَاهُمْ فِى الْحَيَاةِ الدُّنْيَا مَا هَذَا إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يَأْكُلُ مِمَّا تَأْكُلُونَ مِنْهُ وَيَشْرَبُ مِمَّا تَشْرَبُونَ، وَلَئِنْ أَطَعْتُمْ بَشَراً مِثْلَكُمْ إِنَّكُمْ إِذاً لَخَاسِرُونَ} المؤمنون: 33، 34، ولقد بين القرآن الكريم أن سيدنا محمداً بشر، أى يمكن لكل من يتبعه أن يقتدى به فى أفعاله وأقواله، ولو لم يكن كذلك لكان لقائل متكاسل متخاذل أن يقول - عندما يوعظ ويدعى إلى الصلاح- «ياعم دا النبى ما كانش بشر هو احنا نشبهه ولا نقدر نعمل اللى كان بيعمله» هكذا باللهجة الدارجة، كما يقول أيضاً من يُذكر أمامه أحد الصحابة للاقتداء به فيقول: «ياعم طاب دا عمر ولا أبوبكر احنا فين وهما فين»، فقطع الشارع الحجة عليهم، وأغلق باب التكاسل والتخاذل فى وجه أمثال هؤلاء، هذا من جهة ومن جهة أخرى أراد الشارع أن يغلق باب المغالاة فى حق من يبالغون فى مدح سيدنا النبى فيضلون كما ضل من قبلهم عندما نسبوا أنبياءهم إلى الألوهية أو البنوة للإله، حتى يتذكر كل مسلم محب لنبيه مطلع على عظيم شأنه، وجليل معجزاته أنه لا يعدو كونه عبد الله ورسوله.

إذن ما رأيكم فيمن يعتبر النبى كغيره من البشر فى كل شىء؟

- أولا.. علينا أن نتنبه لأمر مهم جدًا وهو عدم تصور أن النبي- عليه السلام- باعتبار كونه بشراً- أنه فى كفة واحدة مع غيره من البشر، كلا وألف كلا، سيدنا النبى صلى الله عليه وسلم بشر؟ نعم، ولكن هل بشريته كبشرية كل البشر، يعنى مثلا كبشرية عبدالله بن أبىّ المنافق؟ أو كبشرية أبى جهل؟ أو حتى كبشرية أبى بكر وعمر وهما مقدمة الصحابة؟ كلا وألف كلا، فالنبى بشر كغيره من البشر فى أصل الخلقة أى إنه مخلوق من طين كغيره، أى هو عليه السلام من الجنس البشرى لا من جنس آخر، هذا هو المعنى المفهوم الذى يليق بجلال سيدنا النبى عليه السلام، وإلا مثلا: فقد كان سيدنا رسول الله له أبعاد كالطول مثلا، ولكن هل بعده الطولى كبعد غيره من البشر؟ بالطبع لا، فقد كان إذا جلس مع قوم أو وقف بينهم يكون أطولهم فإذا انصرف نسب إلى الربعة. 

إذن أن يتخيل أحد أن بشرية سيدنا النبى عليه السلام كبشريتك أو كبشريتى بالطبع لا، وفى ذات التوقيت علينا أن نوقن أنه ليس إلا بشرًا عبدا رسولاً، تلك هى المعادلة الموزونة الأطراف، المؤدية للنتيجة الصحيحة بإذن الله، فأقول لكل من تسول له نفسه المريضة، ويزين له هواه تجسيد سيدنا عليه السلام معتمدًا أن القرآن نص على أنه بشر، قف عندك وافهم النص جيدًا حتى لا تكون كمن أراد أن يفر من المبالغة فى مدح النبى عليه السلام بنسبته إلى شىء من غير البشرية، فوقع فى التقليل من شأن الجناب النبوى بجعله مع غيره من البشر سواء بسواء.

وكيف ترد على من يقول إن النبى كان أميا وبالتالى فهو كأمية باقى البشر؟

- لاشك أن النبى الكريم كان أميا لكن هل أميته كأمية غيره؟ بالطبع لا، فقد كان سيدنا رسول الله راعى غنم، ولكن إياك أيها الإنسان مسلما كنت أو غير مسلم أن تظن أن فى ذلك تشبيها له بغيره فى تلك الناحية فتقول مثلاً: «أنا أرعى الغنم كما كان سيدنا محمد عليه السلام يفعل» فالنبى عليه السلام ليس كغيره من البشر بل ليس كغيره من الأنبياء- عليهم السلام-، فكيف بنا نحن؟!، حيث إن بشرية النبى مع عصمته ونبوته أمر واحد لا ينفك أحدهما عن الآخر، بل إن شئت قلت إن بشرية سيدنا النبى عليه السلام من تمام نبوته وعصمته، ولقد كان الكافرون ينظرون إلى سيدنا محمد على أنه محمد البشرى اليتيم الفقير، وكان الصحابة ينظرون إليه على أنه محمد البشرى الموحى إليه، وشتان بين النظرتين ومآل كل منهما بصاحبها..

لكن البعض ممن ينتمون لبعض التيارات الإسلامية يحرمون الاحتفال بالمولد النبوى، ما تعليقكم؟

- هؤلاء وشأنهم، لكن نحن نحتفل بمن دلنا على الجنة، وأبعدنا عن النار، وبمن لولاه لكانت أعمالنا هباء منثورًا، وبمن لولاه ما عرفنا طريق السعادة فى الدنيا والآخرة، وبمن لولاه ما عرفنا الحلال ولا الحرام، ولا الهدى ولا الضلال، ولظللنا فى عماية الجهل والتخلف والفقر، وبمن لولاه ما صرنا أمة ذات شأن وعراقة وأصالة وتاريخ مشرف، وبمن لولاه لما عرفنا أجمل وأكمل وأشرف حقيقة فى الكون كله؛ وهو الله تعالى، وبمن لولاه ما عرفنا القيم والمبادئ والأخلاق والآداب، والرحمة والرأفة، وبمن لولاه لكنا حتى يومنا هذا تحت سلطان ظلم الروم، أو المجوس، ولكان العالم حتى يومنا هذا مليئا بالبطش والتحجر، وأمراض الطاعون والسحر والشعوذة، فيأكل القوى الضعيف، ويستذل الغنى الفقير، ويسرق رجال الدين أموال الفقراء، فإن نهضة الغرب دافعها الأكبر هو خشية تقدم المسلمين، وبمن لولاه لكانت المرأة حتى يومنا مخلوقا حقيرا يورث مع التركة يفعل بها أى شىء دون مبالاة، فصارت لها حقوقاً وكرامة وهوية عظيمة، وذمة مستقلة، ونصيبًا فى المواريث، ورأيًا فى الزواج، واختيارًا، فى الخطوات، وصوتًا، فى القرارات وهذا ردى على هؤلاء.

 أحمد نبيوة

 

قراءة (3041)/تعليقات (0)

كلمات دالة: