22 مايو, 2022

سلسلة علماء مسلمي الصين .. المعلم الإسلامي الكبير "هو دنغ تشو" (١٥٢٢م~١٥٩٧م)

سلسلة علماء مسلمي الصين .. المعلم الإسلامي الكبير "هو دنغ تشو" (١٥٢٢م~١٥٩٧م)

في ظل استمرار اهتمام مرصد الأزهر لمكافحة التطرف بأعلام مسلمي الصين وعلمائهم وتذكير مسلمي العالم بتاريخهم الإسلامي الذي لا يغيب، ويؤثر على الجميع إلى الآن، وفي ظل حملات تشويه التاريخ الإسلامي يحرص مرصد الأزهر على عرض نماذج مضيئة في تاريخ الإسلام، ونتعرف من خلال هذا المقال على العالم "هو دنغ تشو" Hu dengzhou الشخص الذي كان السبب في تغيير الفكر الإسلامي في الصين وتطوير التعليم الإسلامي ونشأة ما عرف بعد ذلك في الصين بالتعليم المسجدي.
نشأته وحياته

ولد السيد "هو دنغ تشو" بمدينة شيانيانغ Xianyang بمقاطعة شنشي Shanxi عام 1522م لأسرة من قومية الهوي والتي ينتمي لها أغلب مسلمي الصين، وكعادة مسلمي الصين تم اختيار اسم عربي له فعرف بـ محمد عبد الله إلياس، ويحظى الشيخ باحترام شديد لدى مسلمي الصين بكافة قومياتهم حتى أطلقوا عليه "المعلم الكبير"؛ فقد أتقن منذ صغره اللغة الفارسية والعلوم الإسلامية، كما درس الثقافة الكونفشيوسية وهو في سن السادسة عشر، هذا مع عدم توافر الوسائل التعليمية أو الكتب الإسلامية المكتوبة باللغة الصينية في ذلك الوقت، ومع قلة العلماء المسلمين المؤهلين لتعليم أطفال مسلمي الصين العلوم الإسلامية في كافة المدن الصينية في ذلك الوقت.
ويتميز هذا العالم أنه منذ صغره كان يعمل بالتجارة وتميز بها، وفي سن الخمسين ذهب إلى العاصمة بكين للقيام بأعمال تجارية، وهناك أُتيحت له الفرصة لتلقي العلوم الصينية؛ فدرس التاريخ الصيني وتعرف على علماء الصين مسلمين وغير مسلمين، وقرأ كُتبهم وقرأ في علوم الفلسفة والمنطق وغير ذلك من العلوم الطبيعية. فلم يمر وقت طويل حتى حصل على معرفة دينية وفكرية كبيرة لم تكن متاحة لمسلمي الصين في ذلك الوقت ليعود بعد ذلك لمسقط رأسه محملًا بأفكار جديدة ليفتتح أول مدرسة دينية له واستقبل فيها أكثر من 100 طالب.

"هو دنغ تشو" والتعليم المسجدي

بدأت فكرة التعليم المسجدي عند السيد "هو دنغ تشو" عندما شرع في ترجمة مجموعة من الكتب الدينية إلى اللغة الصينية، والتي أدت إلى زيادة واتساع شهرة السيد "هو دنغ تشو"؛ فتوافد عليه الطلاب الصينيون من المدن والقرى في الصين كافة، وخلقت حالة وعي كبيرة بأمور لم يكن يعرفها مسلمو الصين من قبل، وكان لطلابه تأثير كبير على مسلمي الصين، وخاصة أن فكره كان السبب في القضاء على الكثير من الخرافات والأخطاء التي علقت بأذهان المسلمين في الصين.
كانت جهود السيد "هو دنغ تشو" محل اهتمام وتقدير من جميع المسلمين الصينيين، ففي خلال سنوات قليلة امتلأت مدرسته بالطلاب، وضاق بهم المكان؛ فاتخذ خطوة مسبوقة لم تحدث في الصين من قبل، فنقل دروس العلم الذي كان مسؤولًا عنها إلى أحد المساجد، وبذلك أُعطي لقب "رائد التعليم المسجدي في الصين" إلى السيد "هو دنغ تشو"، وعلى الفور تطورت الفكرة وشكل في البداية مجموعة من الأنظمة، من حيث الإدارة والمناهج وطرق التدريس والتفتيش، كما اهتم بتدريب وتعليم مئات الطلاب في المسجد؛ وأصبحوا نواة لتخريج الآلاف من الطلاب الذين انتشروا في الصين واجتهدوا في نشر الفكرة لتتحول مئات المساجد إلى مدارس لتعليم المسلمين أصول دينهم الحنيف.
حصل السيد "هو دنغ تشو" على شهرة كبيرة في وقت قصير، وكثر عدد طلابه وأتباعه، وخاصة في عهد أسرة تشينغ Qing ، ولم تمر 100 عام من سطوع فكره حتى تجاوز عدد طلابه الآلاف في كل المدن يسيرون على نهجه في التعليم داخل المساجد، وتم تطويره بشكل كبير ليصبح بعد ذلك "التعليم المسجدي"، ومن أشهر تلاميذه الذين ساروا على نهجه السيد "تشانغ جي ماي" Chang Zhimei (1610——1670) والذي نشط في شاندونغ Shandong ، والإمام تشو ليانغ جوان Zhou Liangjuan في مقاطعة شنشيShanxi ، والإمام مادا شن Ma Dexin في يونان Yunnan ، والإمام تشانغ واندونغ Zhang Wandong في خنان Henan .

أثره على الثقافة الإسلامية في الصين

هناك مئات العلماء المسلمين الذين عاشوا في الصين، إلا أن هذا العالم الفذ سطَّر اسمه بين العظماء الذين تركوا أثرًا كبيرًا ليس فقط على أبناء قومية هوي، لكن أيضًا على أبناء جميع القوميات المسلمة في الصين، فكانت لجهوده تأثير كبير على مدى قرون، لم تتوقف عند حدود إقليم أو قومية، بل وصلت كل الأراضي الصينية واستفادت بفكرته -التعليم المسجدي- أجيال متلاحقة، كما كان لطريقة تعليمه فضل كبير في استقرار الفكر لدى مسلمي الصين وعدم ذوبانهم بين الأعراق والديانات المختلفة في الصين، كما كان مؤثرًا على تطوير الثقافة الإسلامية على نطاق واسع في الصين، وقد استطاع من خلال التعليم المسجدي أن يجمع بين أسلوب التعليم التقليدي في الصين والتعليم المسجدي، الذي تميز بأسلوب فريد ذو خصائص صينية، وكان لنظامه المتبع داخل المدارس دور كبير في ازدياد عدد المتعلمين من أبناء مسلمي الصين.

وحدة رصد اللغة الصينية

قراءة (3719)/تعليقات (0)

1345الأخير