04 أغسطس, 2024

قراءة في كتاب .. "استغلال التنظيمات الإرهابية للألعاب الإلكترونية ومنصاتها"

قراءة في كتاب .. "استغلال التنظيمات الإرهابية للألعاب الإلكترونية ومنصاتها"

     "استغلال التنظيمات الإرهابية للألعاب الإلكترونية ومنصاتها" عنوان لدراسة باللغة التركية، أعدها الباحث التركي "فاروق بيبرس"، ونشرها "مركز بحوث مكافحة الإرهاب والتطرف" الكائن بمدينة "أنقرة"، في فبراير ٢٠٢٤.

تبدأ الدراسة بتمهيد تحدث فيه الكاتب عن أشياء متعددة، من أهمها التقدم التكنولوجي واكتسابه تركيزًا واسعًا ليشمل جميع مناحي الحياة اليومية، ثم تطرق بعد ذلك إلى كيفية توظيف التنظيمات الإرهابية للتقدم التكنولوجي واستخدام شبكات الإنترنت على نطاقٍ واسعٍ وفي أغراض متعددة، مثل الاستقطاب والتمويل والدعاية والتحريض على القيام بأعمال إرهابية.

ركزت الدراسة على استخدام التنظيمات الإرهابية لمنصات الألعاب الإلكترونية، وتُشير إلى أن تلك الألعاب تفضي غالبًا إلى غمر اللاعبين في واقع وهمي مغاير للذي يعيشونه، ما يسهم في تشكيل هوياتهم وأفكارهم، مؤكدةً أن تلك التنظيمات تنشر محتوى متطرفًا وأحداثًا إرهابية عبر بعض منصات تلك الألعاب بهدف تجنيد مرتاديها - لا سيما من فئات الشباب والمراهقين.

وتحذر الدراسة من أن استخدام هذه الألعاب يعطي المتطرفين فرصةً للدردشة "الآمنة؛ مع من يريدون التحدث معه؛ فهم يستطيعون من خلالها التواصل والتفاعل مع أتباعهم والتنسيق في ما يتعلق بمخططاتهم الإرهابية دون خوف من كشف هويتهم الحقيقية. من أجل ذلك يمكن القول: إن تلك المنصات يمكن أن توفر بيئات آمنة للتواصل مقارنة بالمكالمات الهاتفية والرسائل المشفرة، وهو ما يوجب رصده والانتباه له.

وتؤكد الدراسة أن المتطرفين لا يستغلون تلك الألعاب في التجنيد والدعاية والتواصل فحسب، بل يستخدمونها أيضًا باعتبارها وسيلة لمعرفة أنواع الأسلحة والمتفجرات، والتخطيط للهجمات الإرهابية ورسم السيناريوهات المحتملة لها، مستشهدةً في ذلك بما فعله اليميني المتطرف "أندريس بريفنيك"، الذي ارتكب مجزرة جزيرة "أوتويا" في النرويج، وهجوم "أوسلو" عام ٢٠١١ الذي أودى بحياة ٧٧ شخصًا، إذ تدرب هذا الإرهابي على محاكاة هجومٍ شاهده في إحدى منصات تلك الألعاب.

وفي السياق ذاته أشارت الدراسة إلى أن منفذي هجمات باريس التي وقعت عام ٢٠١٥، وراح ضحيتها ٤٣٢ مدنيًّا ما بين قتيل وجريح، قد خططوا ونسقوا لتلك الهجمات عن طريق تواصلهم عبر منصات للألعاب الإلكترونية.

كما أشارت الدراسة إلى أن التلاعب بالإعدادات الأصلية للألعاب الإلكترونية ــ لا سيما ألعاب الحرب والتصويب أو ألعاب العصابات ـــ يتيح إضافة محتوى بعينه إلى تلك الألعاب مثل الأناشيد، وإضافة أطوار للعبة تحاكي هجمات إرهابية سابقة أو أحداثًا بعينها تثير ممارسة العنف والتدمير.

كما تعرضت الدراسة إلى لعبة "صليل الصوارم" التي أصدرها تنظيم داعش الإرهابي لاستهداف الشباب والمراهقين؛ فقد سعى التنظيم من خلال تلك اللعبة إلى تدريب الشباب والأطفال على استخدام الأسلحة، مستعينًا في ذلك بمؤثرات صوتية دينية تحث على الجهاد وفقًا لمفاهيم داعش المغلوطة.

كما حذرت الدراسة من أن عناصر التنظيمات المتطرفة تدشن "مجموعات تواصل" خاصة ببعض الألعاب الإلكترونية، يلتقون من خلالها بالشباب والأطفال بحجة ظاهرها احتراف اللعبة وباطنها استقطاب الشباب وتشجيعهم على العنف واستخدام الأسلحة.

من أجل ذلك يرى مرصد الأزهر لمكافحة التطرف أن هذه الدراسة مهمة، لأنها تدق ناقوس خطر ينبغي لجميع الأسر وأولياء الأمور والمؤسسات التربوية والأمنية الانتباه له، إذ يقضي معظم الأطفال أوقاتًا ليست بالقليلة على منصات تلك الألعاب الإلكترونية، ويتواصلون مع أشخاص كثر من خلالها.

هذا ومن المعروف أن استخدام التكنولوجيا الحديثة متاح للجميع في عصر الاتصالات المفتوحة. وقد عرفت التنظيمات المتطرفة إستراتيجية مواقع التواصل، وتعاملت معها باحترافية، ونشرت من خلالها أفكارها. ويأتي على رأس تلك التنظيمات تنظيم داعش الإرهابي الذي استطاع ترويج دعايته واستقطاب آلاف الشباب من ما يقرب من ١٠٠ دولة باستخدام وسائل الإعلام الحديثة غير التقليدية. كما جعل العالم يتابع حروبه ــ عبر تلك الوسائل ــ من خلال الفيديوهات التي نشرها على المواقع الإلكترونية، وقدم نفسه للمتعاطفين معه والمتابعين لأخباره من خلال تطبيقات الهواتف المحمولة، وشرح أيديولوجيته من خلال مجلاته الرقمية التي ملأ بها الفضاء الإلكتروني في فترة من الفترات.

وقد أدرك قادة داعش الإرهابي أنهم لن يستطيعوا تحقيق أي شيء مما سبق ذكره باستخدام أية وسيلة من وسائل الإعلام القديمة والتقليدية، لذلك وجدوا ضالتهم في الوسائل الحديثة التي حققوا بها دعاية سهلة وروجوا للتنظيم وفكره.

وكانت نتيجة احتراف هذا التنظيم للوسائط الحديثة أن ٧٥٪ من الشباب الذين ذهبوا إلى سوريا والعراق في المدة من ٢٠١٣ وحتى ٢٠١٦ انضموا إلى تنظيم داعش، مقابل ٢٥٪ انضموا إلى الجماعات الإرهابية الأخرى. والسبب الرئيس في ذلك وفقًا لبعض التحليلات هو قوة الآلة الإعلامية لتنظيم داعش مقارنة بالتنظيمات الأخرى.

من أجل ذلك ينبغي توعية الشباب بضرورة استخدام مواقع الإنترنت استخدامًا إيجابيًّا، وعدم الانخداع بأي خطابٍ لا يعرفون صاحبه وخلفيته الثقافية، والبوح لمن يطمئنون إليه من أفراد الأسرة والمؤسسات المختصة بما قد يلقونه من أفكار مضللة؛ لأن استقطاب الشباب وخداع عقولهم هو أحد أهم أوجه الشبه بين كل التنظيمات المتطرفة، وصدق فضيلة الإمام الأكبر حين قال: "إن الحملات التي يطلقها تنظيم داعش الإرهابي لضم الشباب المسلم إلى صفوفه ضالة ومضللة غرضها زعزعة أمن الأوطان الإسلامية، والنيل من استقرارها، وزلزلة أركانها، واستهداف شبابها الذين يمثلون عماد هذه الأمة...". حفظ الله بلادنا وشبابنا من كل سوء.

وحدة الرصد باللغة التركية

قراءة (327)/تعليقات (0)