10 مارس, 2016

عودة اللاجئين العراقيين.. نار الوطن ولا جنة أوروبا

عودة اللاجئين العراقيين.. نار الوطن ولا جنة أوروبا

يحكي سالم محمد البالغ ـ كردي قادم من كركوك ـ عن تجربته: "جئت للاستقرار هنا، إلا أن ألمانيا لم تقدم لي شيئا."

حراك على عكس المتوقع وفي اتجاه معاكس، فبعد أن كانت وجهة اللاجئين إلى أوربا - حيث الملاذ من الأزمات والآلام والضيق- متصدرة للمشهد العالمي، نافسها الآن ذاك الحراك البادئ بوتيرة متصاعدةنحو إلى الشرق. ترى ما السبب وراء هذا؟ وهل للأمر علاقة بالوضع العالمي والتغيرات الجيوسياسية بالبلاد المصدرة للاجئين؟ أم يكمن وراء ذلك خيبات أمل وصدام بواقع غربي لم يكن مأمولًا؟
تناولت الصحافة الألمانية هذا الحراك، ولكن من الغريب أن هذا التناول لم يكن بالعمق المتوقع، فقد أوردت جريدة N24 الألمانية خبرًا قصيرًا بعنوان "الكثير من العراقيين يسعون للحصول على جوازات سفرهم بهدف الرجوع"، يفيد تزايد أعداد العراقيين الراغبين في العودة إلى أوطانهم، فقد أصدرت السفارة العراقية ببرلين حتى الآن 1400 جواز سفر، وذلك وفقا لبيانات وزارة الخارجية الخاص بهذا الشأن. وبالمقارنة بعدد الجوازات التي أصدرت حتى نهاية أكتوبر والبالغة 150 جوازًا، يتضح التزايد الرهيب في وتيرة التفكير في الرجوع لدى العراقيين، وقد أرجعت الجريدة هذا التطور إلى أحد أمرين: إماإلى انحسار الهيمنة الداعشية في العراق وانسحابها من بعض المناطق الهامة مما يمهد لرجوع من فر منها، أو الصدمة التي عانى منها اللاجئون، حيث تصوروا الحياة في ألمانيا بوضع مغاير عما هي عليه، فكانت توقعاتهم وتصوراتهم المسبقة خيالية لا تمت للواقع بصلة.
وبرغم أن الجزء الأول من الخبر يطرح الكثير من التساؤلات الهامة، إلا أن الجزء الأخير بالغ الأهمية، حيث ورد فيه مطالبة وزير الداخلية الألماني باشتراط قبول الحكومات استصدار جوازات السفر للاجئين الذين يريدون الهجرة وجعل ذلك شرطًا لتقديم المساعدات التنموية لها، وإلا فليس إلا الحرمان من هذه الميزة. الأمر الذي يدفعنا لسؤال هام: هل للأمر علاقة بالخلافات السياسية الداخلية بألمانيا حول مصير ووضع اللاجئين والانتقاد القوي من قبل كبار الساسةبالدولة لسياسات المستشارة الألمانية ميركل حول هذا الأمر؟ أم هو فقط محاولة للضغط على الحكومات المتعنتة لتلبية رغبات المستضعفين من اللاجئين؟ أم هو حنين للوطن، زاد أثره عند اللاجئين بعد التقدم الملحوظ لقوات التحالف المشاركة في الحرب على داعش؟ فوفقًا لجريدة "زود دويتشى تسايتونج" خسر تنظيم داعش نصف أراضيه في منطقة الشرق الأوسط، نقلت الجريدة ذلك عن وكالة الأنباء الألمانية التي استندت بدورها على تصريحات المسؤلين في الولايات المتحدة الأمريكية حول هذا الشأن. فبحسب تصريحات المبوعث الخاص للرئيس الأمريكي باراك أوباما فقد خسر تنظيم داعش السيطرة على 40% من إجمالي الأراضي العراقية التي قام باغتصابها، وذلك بفضل الضربات الجوية وسلاح الطيران الجوي لقوات التحالف الدولية، وقام المبعوث الخاص بعرض صورة تفاؤلية عن الوضع، حيث بشر بأن الأراضي والمناطق الواقعة تحت سيطرة تنظيم داعش في سوريا والعراق سيتم تخليصها من قبضتهم خلال الشهور المُقبلة.
وفي نفس الصدد ورد خبر آخر بجريدة دي فيلت الألمانية بعنوان "العودة إلى العراق..بعض اللاجئين سئموا العيش في ألمانيا"، إلا أن الخبر ورد مدعومًا بتحليل أكبر وحوارات مع لاجئين رغبوا في العودة. جاء في الخبر حديث لأحد اللاجئين يدعى "ثامر طالب"، قدم إلى ألمانيا عبر طرق وعرة، سلكها أولًا على قدمه ثم استقل قاربًا مطاطيًا، حتى وصل بالأخير إلى ألمانيا، وهناك لقي معاملة غير مرضية من وجهة نظره من قبل هيئة الصحة والشئون الاجتماعية (lageso)، وعلاوة على ذلك فقد كان يأمل أن تستطيع زوجته وأبوه المريض اللحاق به، إلا أن هذا لم يكن بالمقدور. كل هذا جعل ثامر لا يرغب في البقاء في ألمانيا، برغم الإمكانية المتاحة له بالبقاء لمدة 6 شهور، فما زال تصريح إقامته ساريًا، إلا أنه قرر الرحيل، وقبل رحلته إلى العراق سأله بالإنجليزية أحد رجال الشرطة العاملين بمطار برلين: "هل تريد العودة مرة أخرى إلى ألمانيا؟ أجابه إجابة قاطعة بالنفي.
وتناول الخبر قصة عائد آخر، حيث يحكي سالم محمد البالغ من العمر 24 سنة – كردي قادم من كركوك، عن تجربته، ويقول: "جئت للاستقرار هنا، إلا أن ألمانيا لم تقدم لي شيئا." وجدير بالإشارة أنه ليس الوحيد، بل هناك الكثيرون من العراقيين ممن يسعون للرجوع، وقد صرح بذلك يوحن إيرنشبيرجر، من الهيئة الاتحادية لشؤون الهجرة واللاجئين بمدينة نورنبيرج، وأضاف "أن المحرك الرئيس لهذه العودة هو الأسرة". وعلاوة على ذلك فقد أتى الكثيرون إلى ألمانيا بتصورات مبالغ فيها فاصطدموا بالواقع.
وبرغم أهمية الأمر وخطورته إلا أنه حتى الآن لم تصدر أية إحصاءات دقيقة لأعداد العائدين كلهم، حيث لم تشمل الإحصاءات الرسمية إلا المسافرين ضمن برامج المساعدة الرسمية، ولا يتمتع بالحصول عليها إلا من عجز عن السفر على نفقته الخاصة. وتشير الإحصاءات إلى حصول 37220 إنسانا في العام المنصرم على هذه المساعدة للرجوع إلى بلادهم، الكثير منهم من أصل بلقاني. وتعد سوريا مستبعدة من هذا الأمر، حيث أن الأوضاع الأمنية لا تسمح بذلك. ومن الجدير بالذكر أن 377 عراقيا قد غادروا ألمانيا في إطار هذا المشروع، وذلك فقط في شهرينوفمبروديسمبر الماضيين. وبجانب هذه الإحصاءات الرسمية لأعداد العائدين ضمن برامج المساعدات الرسمية يوجد عدد ليس بالقليل ممن يسافرون على نفقتهم الخاصة، فقد صرح علاء حدروس، مالك أحد مكاتب السفريات، بأنه قد مهد وحده طريق العودة لأكثر من 400 لاجئ عراقي، فهو يقدم منذ أربعة أشهر إمكانية السفر على رحلة يوم الأربعاء من كل أسبوع المتجهة إلى بغداد مرورًا بإربيل، ويفد عليه أسبوعيًا ما بين 10 إلى 15 لاجئا، طالبين الحصول على تذكرة العودة.

فمن المستفيد من تهميش هذا الأمر؟ وهل لتهميش هذه القضية علاقة بالاحتمالات المتوقعة حول تقصير الجانب الألماني في توفير سبل العيش والأمان والحرية لمن وفدوا عليهم؟ فليس هناك ثمة شك من أن اللاجئين يعيشون حالة من عدم الاطمئنان بعد تزايد الاعتداءات عليهم، خاصة بعد أحداث ليلة رأس السنة بمدينة كولونيا، حيث واقعة التحرش المتهم بها أعداد من الوافدين العرب، من بينهم مغاربة، إلا أن الأمر شمل اللاجئين كلهم، فقامت الدنيا ولم تقعد، ووقع الألمان في الفخ الذي دائما ما يحذرون منه، وهو التعميم والأحكام المسبقة. قامت المظاهرات ضد السياسات المتبعة مع اللاجئين، وطولبت الحكومة بترحيل اللاجئين، وبرغم الموقف الرسمي الذي يعتبر الاعتداءات من قبل اللاجئين أعمالًا فرديةً ولا يمكن بحال أن تشمل اللاجئين كلهم، إلا أن الإعلام قد رسم تصورا لدي جزء ليس بالقليل من الشعب الألماني، مما جعلهم يتصورون اللاجئ وحشًا همجيًا برببريًا. كل هذا يجعلنا نتساءل: هل هناك صلة بين تزايد أعداد العائدين من اللجوء وتزايد معاناة اللاجئين وشعورهم بعدم الارتياح في ظل هذه التطورات؟!

وحدة الرصد باللغة الألمانية

قراءة (2735)/تعليقات (0)

كلمات دالة: