08 أغسطس, 2016

"الحاسد والمحسود" تحت مجهر علماء الدين

"الحاسد والمحسود" تحت مجهر علماء الدين

 

غياب الوازع الدينى والجهل.. نافذة يدخل منها الخوف من الحسد

 

 

بدافع الغيرة وحب الجمال.. النساء أكثر حسداً من الرجال

 

إظهار النعم فى مواقع التواصل الاجتماعى يصيب بالحسد

 

 

 

بعدما أصبحت الإعلانات التجارية تستغل ربط البعض كل أحداث حياته بالعين والحسد للترويج للمشايخ "الروحانيين" لفك السحر وطرد الحسد راجت لدى بعض "الجهلاء" أفزاع وأوهام لدرجة إذا تعطلت سيارة أو مرض ابن أو أتلف زرع أو حدث رسوب فى دراسة أو توقف زواج أو خسارة فى تجارة أو إلى ذلك من الأمثلة يرجعها إلى الحسد أو العين وليس إلى كثرة المعاصى أو الإهمال .

 

فى البداية فرق الدكتور أحمد سعد الخطيب عميد كلية الدراسات الإسلامية جامعة الأزهر فرع قنا بين الإهمال والمعاصى وبين الحسد والعين فالحسد مرض قلبى يتمنى من خلاله الحاسد زوال النعمة عن الغير ومن مراقيه أن يتمنى ذلك ولو لم تذهب النعمة إليه وكذلك أن يتبع ذلك السعى فى سبيل منع هذه النعمة وأما العين فهى مرض عضوى أو أشبه به حيث يكون للعين تأثير مباشر فى إلحاق الضرر بالآخرين لو لم يتحصن كل من العائن والمعين بالأذكار والمحصنات الشرعية. وكل من الحسد والعين واقعان حيث شهدت بوقوعهما نصوص الكتاب والسنة وهى كثيرة جدا ومع هذا فإن الحق قد ينحرف عن معناه عندما نبالغ فى شأنه ونلصق به ما ليس منه فأولئك الذين يحملون كلا من الحسد والعين نتائج إهمالهم وتقصيرهم هم يعون أنه ليس للحسد والعين طريق إليهم لأنه لا يُحسد ولا يُعان إلا المتميزون الذين يُعرَفون بين الناس بتفوقهم على سواهم أما المهمل المقصر المستهتر فعلام يكون حسده؟! لا شيء يقود إلى ذلك. ودعوى ذلك إسراف وتجاوز وانحراف عن المقصود ربما من أحب شئ كان دائم الترديد له فمن يتكلم عن الحسد إنسان حسود صحيحا إلى حد ما فكل إناء بما فيه ينضح فقد يظن الحسود أن كل الناس مرضى بما هو مريض به فيعزو كل ما يلم به إلى الحسد لا إلى تقصيره ولا إلى قدر الله إن لم يكن مقصرا لأن كل شيء فى النهاية مرهون بإذن الله وتقديره كما قال سبحانه [وما هم بضارين به من أحد إلا بإذن الله].

والحسد يكون من الرجال كما يقع بين صفوف النساء لكنه ربما يكون فى النساء أظهر لا أكثر لما يدفع إليه من الغيرة وحب التميز فى مسائل تتعلق بالخلقة من الصحة والجمال. 

 

صورة مفزعة

وعما اذا كان الأوربيون يرتكنون إلى الحسد والعين والحقد يبين الشيخ عبدالحق الكونى رئيس المجلس الفقهى لرابطة الجمعيات الإسلامية بألمانيا أن هناك نوعين من الأوربيون نوع نجد عندهم هذه الأعتقادات قليلون جدا خاصة فى أوربا الغربية نظرا للتقدم العلمى وكاد ينحصر عددهم فى بعض كبار السن خاصة من يذهبون إلى الكنيسة التى يؤمن روادها ببعض الأمور المرتبطة بالغيبيات أما أوربا الشرقية فهذه الأعتقادات منتشرة بشكل كبير جدا فى صفوف الشباب والطبقات المتعلمة لكن يبقى فى الأطار العام بمجتمعاتنا العربية ودول العالم الثالث تنتشر بصورة مفزعة نتيجة التخلف والفراغ والجهل وكثرة البطالة ومسببات الشقاء الكثيرة فنغطي فشلنا وكسلنا ببعض هذه الأعتقادات التى تحكمت فى كل تصرفاتنا..

 ورغم ان هذه الامور من الغيبيات التى يجب الايمان بها لكن ليس بالطريقة المنتشرة الموجودة فى بلداننا العربية.

 

متشبه باليهود

ويؤكد الدكتور محمود الصاوى أستاذ الثقافة الإسلامية بكلية الدعوة جامعة الأزهر أن الحاسد متشبه باليهود اقرأ قوله سبحانه وتعالى (ود كثير من أهل الكتاب لو يردونكم من بعد إيمانكم كفارا حسدا من عند أنفسهم) (أم يحسدون الناس على ما آتاهم الله من فضله) والحسد دليل على خبث نفس الحاسد لانه لا يحب لاخوانه ما يحبه لنفسه ويعترض على قدر الله وقضائه لان المنعم هو الله فاذا كرهت نعمته على بعض خلقه فقد كرهت قضاء الله وقدره.. كما أن الحاسد يتاجر فى الخسارة لان الحسد يأكل الحسنات كما تأكل النار الحطب والحاسد لا ينجز عملا نافعا لانشغاله بتتبع احوال الناس ونعم الله عليهم ويعيش فى غم وهم بسبب ذلك.

 

أول جريمة

وأوضح الدكتور عبد العزيز المرشدى أستاذ العقيدة والفلسفة الإسلامية جامعة الأزهر فرع المنصورة إن أول جريمة فى الكون كانت بين إبليس وآدم حين حسده لما أسجد الله ملائكته له فقال مستنكراً حاسداً (أنا خير منه خلقتنى من نار وخلقته من طين) وأيضاً جريمة قابيل ضد أخيه هابيل فقد حسده وقام بقتله فالحسد كان سببا فى وقوع اول جريمة عصيان لله وأول دم أزهق على وجه الأرض.

فالحسد نوعان أحدهما مذموم نهى عنه الشرع لأنه يؤدى الى التشاحن والبغضاء بين أفراد المجتمع ، ونوع محمود (الغبطة) وهو تمنى أن يكون للمسلم ما لغيره من النعم التى تقرب الى الله وفي الحديث النبوى الشريف (لا حسد إلا فى اثنتين: رجل آتاه الله مالاً فسلّطه على هَلَكَته فى الحق ورجل آتاه الله الحِكمة فهو يقضى بها ويعلمها) وهناك فرق بين الحسد والحقد والغل  فالحسد هو تمنى زوال نعمة الغير وانتقالها الى الحاسد والحقد هو تمنى زوال نعمة الغير حتى ولو لم تأت للحاسد والغل هو تمنى زوال النعمة والمنعم عليه.. وقد عالج الاسلام الحسد بقراءة المعوذتين والرقية الشرعية والاستعانة بالله.. والحاسد عليه الايمان بقضاء الله وقدره وأن النعمة تحب من أحبها، وعلى المحسود أن يحصن نفسه بذكر الله ولا يبالغ فى الاعتقاد بالحسد ولا يرد كل النتائج الى العين والحسد فالله سبحانه بيده كل أمر وأن يستعين بالله ويصبر ويعلم أن ذلك كله بقضاء الله وقدره. والاستعانة بما أثر عن النبى صلى الله عليه وسلم من الأدعية والاستكثار من التعوذات وقراءة الفاتحة وآية الكرسى. وإذا عرف الحاسد يجب اجتنابه والاحتراز منه اتقاء لضرره وإيذائه وينبغى على المسلم أن يكون دائم الصلة بربه كثير الذكر والدعاء قوى الإرادة والثقة فى الله عز وجل متحصناً بآيات الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم.

 

الوازع الديني

ويشير الدكتور عماد جاد الرب رئيس المركز الأوكرانى للتواصل والحوار أن تأثير الخوف من الحسد والعين منتشر فى العالم بشكل عام وأوربا لها نصيب من هذا الشئ حيث نلحظ الخوف والحذر وتفسير أى حادثة غالبا عند الناس على أنها عين وهذا بحكم ضعف الوازع الدينى عندهم ولكنها غير منتشرة كما هو الحال فى واقع الدول العربية والإسلامية وتنشط كلما وجد الجهل فهو أكثر بوابة ونافذة يدخل منها الخوف والفزع بالعين وهناك بعض الناس عندما يمرض يتجه إلى الكنيسة أو إلى السحرة ليفسروا له هذه الأحداث وتصبح المسألة تجارية عند هؤلاء الذين ليس لديهم علم.

 

عدم الفطنة

وأشار الدكتور محمد الدش المدرس بقسم العقيدة والفلسفة كلية أصول الدين جامعة الأزهر فرع المنوفية إلى ان من عدم الفطنة التحدث بالنعمة على الملأ ليعرفها القاصى والدانى والصالح والطالح والعدو والحبيب والحاقد والحاسد وشاهد ذلك ما نلاحظه على مواقع التواصل الاجتماعى من قيام البعض بذكر مآثره وإنجازاته وما أنعم الله به عليه فيعرض نفسه للحسد والحقد من الآخرين فهذا ليس بموطن للتحدث بنعمة الله لماذا؟ لأنك إن ابتغيت تحدثاً بالنعمة فلا تحدث بها إلا من يحب لك الخير ويرجو لك المزيد فقد يحسدك الناس لكثرة مالك أو علو جاهك أو لبركة فى ذريتك أو فى تمام عافيتك فكل نعمة من الله عليك قد تبتلى فيها بحاسد يتمنى زوالها وقرة عين الحاسد أن يصير المحسود مثله، قال تعالى على لسان سيدنا يعقوب عليه السلام: "قَالَ يَا بُنَى لَا تَقْصُصْ رُؤْيَاكَ عَلَى إِخْوَتِكَ فَيَكِيدُوا لَكَ كَيْدًا إِنَّ الشَّيْطَانَ لِلْإِنْسَانِ عَدُوٌّ مُبِينٌ" واستدل أهل العلم بهذه الآية الكريمة على جواز ترك إظهار النعمة عند من يخشى حسده وكيده وإن كان الله عز وجل قد أمر بإظهارها فى قوله تعالى: "وأما بنعمة ربك فحدث" تتحقق بمصلحة المسلم فى دينه ودنياه فلنعلم أن هناك من الناس من انحرفت فطرته وملئ قلبه حقداً وغلاً وطمعاً فأبت نفسه إلا تمنى زوال النعمة عن الغير مستكثراً إياها سواء تمناها لنفسه أو لغيره فدلّ على أن الحاسد صاحب نفس خبيثة نزع الله منها دواعى الخير وحب الناس.

 

الحسد ..والتشاؤم

وهناك طائفة من الناس غالت فى أمر الحسد والعين حتى وصل بهم إلى درجة التشاؤم وتعليق ما يحدث لهم من أضرار صغيرة كانت أو كبيرة على أن وراءه عين أصابتهم وأن هنالك حاسداً يتربص بهم وقد أجاد أصحاب البزنس اللعب عى هذا الوتر مستغلين حالة الوهم والوساوس الذى تعيشه هذا الطائفة من الخلق فكثرت الإعلانات الدعائية تروج للشيخ فلان أو علاّن صاحب الرقى الشرعية التى تذهب العين والحسد أو يروجون لبضائعهم وهكذا ناسين أو متناسين أن الابتلاءات لا يمكن اختزال حدوثها فى الحسد فقد تحدث بسبب ذنب أو معصية إذ يبتلى العبد المسلم ليكفر الله به عن سيئاته فى الدنيا وينقيه من ذنوبه حتى يلقى الله تعالى معافى من الذنوب والخطايا وإن صبر رفعه الله بالصبر درجات قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "ما يُصيب المسلم من نصب ولا وصب ولا هم ولا حزن ولا أذى ولا غم حتى الشوكة يُشاكها إلا كفر الله بها من خطاياه".

تحقيق مصطفى هنداوي

 

قراءة (21675)/تعليقات (0)

كلمات دالة: