مدير الجامع الأزهر:
ما ورد من إعجاز علمي في القرآن الكريم إنما جاء ليقطع الطريق على المشككين في كتاب الله
مدير إدارة شئون الأروقة:
التدبر في كتاب الله هو الوقوف على المعاني الجليلة التي لا تزال تكشف لنا عن أسرار الكون وعظمة الخالق
قال الدكتور/ مصطفى إبراهيم، عضو لجنة الإعجاز العلمي بمجمع البحوث الإسلامية: إن القرآن الكريم جاء بحقائق كثيرة حول عالم النمل، أثبت العلم فيما بَعدُ صدقَها، من حيث صفات ممالك النمل، والنظم المعيشية التي تحياها، والتي تشبه العالم البشري في كثير من أموره، من حيث تعدد أماكن إقامة النمل، والعيش في تجمعات؛ في تشابه كبير مع البشر، وهي ما تعرف بالصفات المجتمعية. كما أن النمل له مساكن مشيدة، والباحثون في هذه التخصص وجدوا أن مساكن النمل مُشيدة بنظم هندسية بارعة ودقيقة؛ في التأمين ضد الكوارث والأخطار.
وأضاف عضو لجنة الإعجاز العلمي، خلال ملتقى “التفسير والإعجاز” الذي عُقد بالجامع الأزهر تحت عنوان: "أمة النمل بين الإعجاز البلاغي والعلمي"، أن حديث النملة في قصة سيدنا سليمان، والذي جاء نتيجة سماعها لحركات جيشه، والذي كان يبعد (5) كيلومترات عن وادي النمل، يُبرز بوضوح مدى الوعي الجماعي والإحساس بالمسئولية لدى هذا المخلوق الصغير، وقد كتشف العلم الحديث أن النمل يمتلك حاسة سمعية متطورة تساعده على اكتشاف الذبذبات؛ مما يجعله قادرًا على أن يواجه المخاطر. كما أن النمل يعمل بشكل منظم، وهو ما ظهر من خلال ما قدمته النملة لمجتمع النمل من حل للمشكلة التي تواجههم -عندما طلبت منهم أن يدخلوا مساكنهم، كما تبين جملة {لا يحطمنكم} التي ذُكرت في القرآن- أن النملة حذَّرت بقية النمل من تحطيم عظامهم بسبب جيش سليمان، وأثبت العلم بعد ذلك أن عَظْم النملة هو الغلاف الخارجي للجسم؛ مما يجعلها قابلة للتحطيم مع مجرد اللمس.
وبيَّن عضو لجنة الإعجاز أن النملة في خطابها لقومها حذَّرتهم من مآلات الأمور المتوقعة والنتائج الخطرة، ووضعت السيناريوهات والاحتمالات حالة عدم سماع النمل لتحذيرها، كما دفعتهم على بذل ما في وسعهم؛ من أجل تفادي النتائج الخطيرة لمرور جيش سيدنا سليمان على وادي النمل، وهو تخطيط إستراتيجي لا يمكن أن يكون إلا من كائن ذكي ويعيش في نسق اجتماعي مُنظَّم ومُتقدِّم.
ورَدَّ أستاذ الإعجاز العلمي على من أنكر حديث النملة الذي جاء في القرآن الكريم، بأن العلم الحديث أثبت أن هناك العديد من الكائنات تصدر ترددات تشبه الأصوات، ولكنها لا تصل إلى أذن الإنسان، كما أننا لا نستطيع أن نرى البكتيريا وغيرها من الكائنات؛ وهذه رحمة من ربنا بالإنسان؛ لأن الكون به العديد من النظم المختلفة، وهو أمر لا يتحمله الإنسان، وسماع سيدنا سليمان كانت خصوصية منحها لله سبحانه وتعالى له {عُلِّمْنا منطق الطير وأوتينا من كل شيء}.
وأوضح أن الدراسات العلمية الحديثة أثبتت العديد من الحقائق العلمية حول عالم النمل؛ حيث يوجد حوالي (14) ألف نوع من النمل على وجه الأرض، وهناك منطقة شاسعة في أوروبا تصل مساحتها إلى 6 آلاف كيلومترات كلها وادي نمل، كما أن النوع الواحد منه له نظم متعددة بداخله، تتنوع أدوراها داخل كل نوع من هذه الأنواع.
من جانبه، قال الدكتور/ هاني عودة، مدير الجامع بالأزهر: إن الزاوية العلمية في تفسير القرآن، تكشف لنا عن جوانب جديدة من هذا الكتاب العظيم، وتُظهر لنا مدى توافقه مع الحقائق العلمية؛ فالحق سبحانه تعالى لم يأتِ بالقرآن ليكون كتابًا أدبيًّا أو تاريخيًّا فقط، بل هو كتاب علم ومعرفة، كما أن فهم الإعجاز القرآني لا يتأتى إلا من خلال لغة بليغة ومليئة بالمفردات، وهو ما يفسر اختيار الحق سبحانه وتعالى للغة العربية كلغة لكلامه الكريم؛ إذ إن بلاغة هذه اللغة وسعتها اللغوية هما الركيزة الأساسية لفهم الإعجاز القرآني العظيم وتدبر معانيه، وهو ما يظهر في استخدام لفظة {لا يَحطِمَنَّكم} التي تدل على معنى: التحطيم والتكسير، والذي أثبت العلم بعد ذلك أن النمل الغطاء الخارجي لجسده من العظم.
وأضاف عودة، أن الإيمان بالغيب هو ركيزة أساسية من ركائز الإيمان بالله، وهو ما يميز المسلم عن غيره، هذا الإيمان يدفعنا إلى تصديق كل ما جاء به القرآن الكريم من أخبار وقصص، حتى وإن كانت تتعلق بأمور غيبية لا نراها بأعيننا، وما أثبته العلم الحديث من صدق الكثير مما جاء في القرآن ليس إلا دليلًا إضافيًّا على عظمة هذا الكتاب، ولكنه ليس هو الدافع الأساسي للإيمان بالله؛ فالمؤمن يؤمن بكلام الله تعالى إيمانًا مطلقًا، وما ورد من إعجاز في القرآن الكريم، إنما جاء ليكون حجة على المنكرين، ويقطع الطريق عليهم في التشكيك في كتاب الله، وصِدْق ما جاء به من تشريع.
وفي السياق ذاته، أوضح الدكتور/ مصطفى شيشي، مدير إدارة شئون الأروقة بالجامع الأزهر، أن التدبر في كتاب الله ليس مجرد قراءة الآيات، بل هو الغوص في أعماق المعاني، والتأمل في حكمتها البالغة؛ لأن الغاية الأسمى من هذا التدبر هو الوقوف على المعاني الجليلة التي لا تزال تكشف لنا عن أسرار الكون وعظمة الخالق، والتي تؤكدها الاكتشافات العلمية الحديثة، وتكشف عن أسرار هذا الكون التي أشار إليها القرآن منذ آلاف السنين؛ مما يزيد إيماننا، كما أن التدبر في القرآن الكريم يُغيِّر القلوب، ويُصلح النفوس، ويُقرِّب العبد من ربه، ويُرشده إلى طريق السعادة والفلاح في الدنيا والآخرة.
يُذكَر أن ملتقى "التفسير والإعجاز" يُعقد الأحد من كل أسبوع في رحاب الجامع الأزهر الشريف، تحت رعاية فضيلة الإمام الأكبر الأستاذ الدكتور/ أحمد الطيب، شيخ الأزهر الشريف، وبتوجيهات من فضيلة الأستاذ الدكتور/ محمد الضويني، وكيل الأزهر الشريف، ويهدف الملتقى إلى إبراز المعاني والأسرار العلمية الموجودة في القرآن الكريم، ويستضيف نخبة من العلماء والمتخصصين.