11 ديسمبر, 2024

التطرف الاجتماعي.. جذوره وآثاره وطرق مواجهته

التطرف الاجتماعي.. جذوره وآثاره وطرق مواجهته

التطرف الاجتماعي ظاهرة متنامية تؤثر بشكل مباشر على تماسك المجتمعات واستقرارها، وهو حالة من التشدد في المواقف أو السلوكيات تجاه قضايا اجتماعية. وينشأ التطرف الاجتماعي من التعصب ورفض التنوع، ويتطور في كثير من الأحيان إلى مظاهر قمع، أو عنف تجاه الآخر المختلف.

مفهوم التطرف الاجتماعي:

يشير التطرف الاجتماعي إلى تبني مواقف متشددة وغير مرنة في القضايا الاجتماعية؛ مما يؤدي إلى رفض الآخر، أو فرض أفكار وقيم محددة على المجتمع، ويمكن أن يظهر التطرف الاجتماعي في أشكال مختلفة، مثل: العنصرية، التمييز على أساس اللون، أو العرق، أو الجنس، أو غير ذلك، ورفض الثقافات الأخرى، أو الإقصاء بناءً على الوضع الاقتصادي، أو الاجتماعي.

وتتعدد مظاهر التطرف الاجتماعي، ومن بينها:

(1) العنصرية والتمييز:

حيث يظهر التطرف الاجتماعي عندما يُنظر إلى عرق، أو لون معين، على أنه متفوق على غيره؛ مما يؤدي إلى التمييز في المعاملة، وخلق فجوات بين الجماعات العرقية، ويغذي العنف بين هذه الفئات.

(2) التمييز الجنسي والنظرة المتحيزة تجاه النساء:

وهنا يظهر التطرف الاجتماعي من خلال التمييز ضد النساء؛ حيث يتم تقييد حرية المرأة في العمل أو التعليم؛ بناءً على مواقف اجتماعية متشددة؛ مما يؤدي إلى تعرضها للتمييز، والعنف، وحرمانها من حقوقها في المجتمع.

(3) الإقصاء الطبقي:

إذ يمكن أن يظهر التطرف الاجتماعي في التمييز ضد الأفراد من الطبقات الاجتماعية الأدنى؛ حيث يتم حرمانهم من فرص العمل والتعليم؛ بسبب وضعهم الاجتماعي؛ مما يعزز التفرقة الطبقية.

(4) رفض التعددية الثقافية:

حيث يتمثَّل التطرف الاجتماعي في رفض التعددية الثقافية؛ حيث يُنظر إلى التنوع الثقافي أنه تهديد للهوية الوطنية؛ مما يؤدي إلى الإقصاء الثقافي والعنصرية ضد المهاجرين والأقليات الثقافية.

(5) الرفض المجتمعي للتغيرات:

ويتضح ذلك من خلال مقاومة التطورات الاجتماعية، مثل: حقوق الأقليات، والمساواة بين الجنسين، وحرية التعبير، أو غير ذلك.

أسباب التطرف الاجتماعي:

التنشئة الاجتماعية الخاطئة: فالتربية التي تعزز التحيز أو ترفض التنوع؛ تؤدي إلى خلق أفراد متطرفين اجتماعيًّا.

غياب تعليم التسامح: فالتعليم الذي يغفل عن تعليم التسامح وقبول الآخر؛ يسهم في تكوين عقليات متشددة.

التهميش الاجتماعي: فالفئات المهمشة اقتصاديًّا أو اجتماعيًّا؛ قد تلجأ إلى التطرف كرد فعل على الإقصاء.

الإعلام ووسائل التواصل الاجتماعي: فنشر خطابات الكراهية أو التحيز عبر وسائل الإعلام ووسائل التواصل الاجتماعي؛ يرسخ التعصب الاجتماعي.

آثار التطرف الاجتماعي: للتطرف الاجتماعي آثاره الضارة على الفرد والمجتمع، والتي يمكن تلخيصها في النقاط التالية:

(1) تفكك المجتمع: حيث يؤدي إلى خلق انقسامات داخل المجتمع؛ مما يضعف تماسكه ويُهدِّد استقراره.

(2) نشر الكراهية والعنف: فقد يتحول التشدد الاجتماعي إلى أفعال عدائية وعنف مُوجَّه ضد الفئات المستهدفة.

(3) إضعاف التنمية: حينما يؤدي التطرف إلى إقصاء شرائح كبيرة من المجتمع؛ مما يُقلل من الاستفادة من إمكاناتهم وإسهاماتهم في التنمية.

(4) تعطيل الحوار المجتمعي: حيث يعوق التطرف الاجتماعي قدرة المجتمعات على النقاش وتقديم حلول مشتركة للمشكلات.

كيفية مواجهة التطرف الاجتماعي:

تُعدُّ مواجهة التطرف الاجتماعي ضرورة حيوية للحفاظ على استقرار المجتمعات، وتعزيز قيم التعايش والسلام، ويمكن مواجهة التطرف الاجتماعي بعدد من الطرق، من بينها:

· تعزيز الوعي الاجتماعي: من خلال تنظيم حملات توعية تسلط الضوء على أهمية التعايش وقَبول الآخر.

· إصلاح التعليم: من خلال إدراج قيم: التسامح، التعددية، وقَبول الآخر في المناهج الدراسية.

· تفعيل دور الإعلام: من خلال نشر المحتوى الإيجابي الذي يعزز التفاهم بين الفئات المختلفة.

· تطبيق القوانين التي تُجرِّم التمييز: فلا يمكن مواجهة التمييز وخطابات الكراهية إلا من خلال قوانين صارمة تحمي الحقوق المتساوية.

· تشجيع الحوار المجتمعي: من خلال فتح قنوات للحوار بين الفئات المختلفة؛ لتعزيز التفاهم وحل الخلافات.

وختامًا، فإن التطرف الاجتماعي ليس مجرد مشكلة فردية، بل قضية مجتمعية تحمل في طياتها أبعادًا متعددة تؤثر على بنية المجتمع واستقراره؛ فالتطرف الاجتماعي ينشأ نتيجة تداخل عوامل اجتماعية، وثقافية، واقتصادية، تتطلب جهودًا متكاملة للتصدي لها، فضلًا عن نشر الوعي بأضرار تلك الظاهرة، وآثارها السلبية، وتعزيز قيم التسامح والاعتدال بين الأفراد، إلى جانب تعزيز دور المؤسسات التعليمية والدينية والثقافية في بناء مجتمع متماسك ومتنوع، يحتضن الاختلافات، ويحولها إلى قوة إيجابية.

ولا شك أن بناء مجتمع خالٍ من التطرف الاجتماعي يبدأ من الأسرة، ويمتد عبر مؤسسات المجتمع كافة؛ لتكوين أجيال واعية قادرة على مواجهة التحديات بروح التعاون والانفتاح، ساعية نحو مستقبل أكثر استقرارًا وعدالة.

وحدة البحوث والدراسات

المصادر:

أحمد، ممدوح صابر (2009م). التطرف الاجتماعي وعلاقته بالأفكار اللاعقلانية، مجلة دراسات عربية، رابطة الأخصائيين النفسيين المصرية، مج (8)، ع (4)، ص ص791-829.

عمر، خلف رشيج؛ إيلاف، حميد المحمدي (2020م). التطرف الاجتماعي وعلاقته بالرضا عن الحياة لدى طلبة جامعة الأنبار، مركز البحوث النفسية، مج (31)، ع (01)، ص ص79-126.

الطعان، مائدة مردان محي (2020م). التفاعل عبر شبكات التواصل الاجتماعي وعلاقته بالاتجاه نحو التطرف لدى طلبة الجامعة، كلية التربية للعلوم الإنسانية، قسم الإرشاد النفسي والتوجيه التربوي.


 

قراءة (257)/تعليقات (0)