08 أكتوبر, 2025

صلة الرحم درع في مواجهة العزلة الرقمية

صلة الرحم درع في مواجهة العزلة الرقمية

     في عصر الرقمنة المتسارع، لم يعد الإنترنت مجرد وسيلة للتواصل أو التعلم، بل أصبح فضاءً واسعًا تتشابك فيه الفرص والتحديات، الخير والشر، البناء والهدم، وحلَّ محل التفاعلات الإنسانية، والاجتماعية الواقعية، وخلَّف أثرًا سلبيًّا على العلاقات الاجتماعية، فظهر ما يسمى بـ "جيل العزلة"، وهم فئة الشباب الذين يعانون من الوحدة والانعزال.

ولم يعد هذا المصطلح قاصرًا على فئة الشباب فقط، بل امتد أثره ليشمل جميع فئات المجتمع، وباتت الأغلبية تستخدم وسائل التواصل الاجتماعي وسيلة للتفاعلات الاجتماعية واللقاءات الفعلية المباشرة، مما دفع كثيرًا من أفراد المجتمع إلى العزلة الاجتماعية التي صارت وباءًا متناميًا، وملاذات وهمية للشباب.

والعزلة بشكلٍ عام هي الابتعاد عن العلاقات الاجتماعية بين أفراد المجتمع، وتقليص شبكة العلاقات الاجتماعية، والاستغناء عنها بالتفاعلات على مواقع التواصل الاجتماعي التي تعتبر وهمًا دون تفاعل هادف.

ومع أن هذه الوسائل الرقمية تقدم تسهيلات كبيرة، إلا أنها لا تستطيع تعويض تلك الأواصر العميقة التي تُبنى من خلال اللقاءات الشخصية والمشاعر المشتركة، الأمر الذي يجعل غيابها مدخلًا لمشكلات أعمق، حيث إنَّ للعزلة الرقمية آثارًا سلبية، أخطرها: وقوع الشباب فريسة للتطرف والجماعات المتشددة التي تستغل وحدتهم وانعزالهم في ظل بحثهم عن الانتماء وما يعانونه من فراغ نفسي ومشاكل إدراكية بسبب ضعف العلاقات الاجتماعية، فيصبحون أهداف سهلة للاستقطاب.

والسبيل لمعالجة تلك الظاهرة: صلة الرحم، تلك العبادة الجليلة التي قرنها الله سبحانه وتعالى بتقواه، وأكّد عظيم شأنها في كتابه الكريم، قال عز وجل: "وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَساءَلُونَ بِهِ وَ الْأَرْحامَ" [سورة النساء: 1]

كما حث النبي صلى الله عليه وسلم على تلك العبادة العظيمة، عن أنس بن مالك  قال: قال رسول الله ﷺ: "من أحب أن يبسط له في رزقه، وينسأ له في أثره، فليصل رحمه".

فهي الجسر الإيماني الراسخ الذي يصل حاضرنا بماضينا، ويربط جذورنا بأغصاننا حتى يصبح المجتمع كالبنيان المرصوص يتصدّى لتقلّبات الحياة، وتُسهم صلة الرحم في مقاومة ثقافة العزلة بعدّة طرق:

إحياء التواصل الواقعي: فهي تدعو إلى الزيارات والتواصل المباشر، لا الاكتفاء بالرسائل السريعة أو التفاعلات الافتراضية.

تعزيز الانتماء والهوية: عندما يتواصل الإنسان مع رحمه، يشعر بأن له جذورًا ضاربة في التاريخ والأسرة والمجتمع، فيُحصّن نفسه من الشعور بالاغتراب.

التكافل النفسي والمادي: هذا التكافل يمنح الفرد دعمًا حقيقيًّا عند الأزمات، فيُخفّف من ضغط العزلة وانعكاساتها السلبية على الصحة النفسية.

ولا يقتصر أثر صلة الرحم على تماسك المجتمع أسريًّا واجتماعيًّا، بل تؤدي دورًا وقائيًّا في حماية الأفراد من الانزلاق نحو الأفكار المتطرفة. فالعزلة وانقطاع الروابط الدافئة قد يفتح الباب أمام مشاعر الاغتراب، ويجعل الشاب أكثر عرضة للبحث عن الانتماء في بيئات غير آمنة أو متشددة. أما وجود شبكة أسرية متينة وصلة رحم حقيقية فيُشعره بالاحتواء والانتماء والدعم النفسي، فيصعب على الجماعات المتطرفة استغلال حاجته للتواصل أو الاعتراف.

وهكذا تصبح صلة الرحم جدارًا واقيًا ضد ثقافة العزلة من جهة، وضد الانجراف إلى مسارات فكرية منحرفة من جهة أخرى؛ فهي تُغذّي الجانب الإيماني والأخلاقي، وتمنح الشباب نماذج حية للاعتدال والتكافل، وتُذكّرهم بجذورهم وهويتهم الصحيحة.

يرى المرصد أن الوقاية الفكرية والاجتماعية هي خط الدفاع الأول ضد التطرّف والانحراف، ومن هذا المنطلق يؤكد أن تعزيز صلة الرحم ليس مجرد قيمة دينية أو خلق اجتماعي، بل هو أداة إستراتيجية لبناء الحصانة المجتمعية.

كما يؤكد المرصد أن دعم المبادرات العائلية والاجتماعية، ونشر الوعي بأهمية صلة الرحم عبر الحملات الإعلامية، والبرامج التثقيفية في المدارس والمساجد والمراكز الشبابية، يُعدّ جزءًا أصيلًا من منهجية مكافحة التطرف وترسيخ الاعتدال في المجتمع، فحين يشعر الفرد بأنه مُحتَضن داخل شبكة أسرية متماسكة ومجتمع متكافل، تقل قابليته للتأثر بالأفكار المنحرفة، ويزداد انتماؤه لهويته الأصيلة.


وحدة الرصد باللغة الأردية

قراءة (142)/تعليقات (0)