بعد عامين على بدء العمليات العسكرية الإسرائيلية في غزة، التي أعقبت هجمات 7 أكتوبر 2023، تشير استطلاعات الرأي إلى تزايد الشكوك بين الأمريكيين تجاه عمل حكومة الكيان الصهيوني.
فقد أظهر استطلاع لمركز "بيو" الأمريكي، أُجري أواخر سبتمبر 2024 على 3445 بالغًا، أن هناك تحولًّا ملحوظًا في الرأي العام، حيث ارتفعت نسبة من يرون أن العمليات العسكرية للكيان الصهيوني "مبالغ فيها" من 27% في 2023 إلى 39% حاليًا، كما سجلت النظرة السلبية لحكومة الكيان الصهيوني قفزة من 51% مطلع 2024 إلى 59% في الاستطلاع الأخير.
ويكشف الاستطلاع عن تشرذم في المواقف، حيث أظهرت النتائج أن 16% فقط يرون أن نهج الحرب الحالي "صحيح"، و10% يعتقدون أن العمليات "غير مبالغ فيها". بينما لم يتمكن ثلث المشاركين (ما يعادل 33%) من تحديد موقف واضح.
ويكشف الاستطلاع أيضًا عن تباين في تقييم الأداء الأمريكي، فهناك 42% أعربوا عن عدم رضاهم من أداء إدارة ترامب في إدارة الصراع، و30% فقط أيدوا سياساتها، بينما امتنع 27% عن تحديد موقف واضح، كما ارتفعت نسبة من يرون أن ترامب "منحاز بشكل مفرط" للكيان الصهيوني إلى 36%، بزيادة 5 نقاط عن مارس الماضي 2025، مما يعكس تزايد القلق من انحياز السياسة الأمريكية.
ويكشف الاستطلاع كذلك عن تناقض صارخ في تقييم المساعدات الأمريكية، حيث إن هناك 33% يرون أن الدعم العسكري الأمريكي للكيان الصهيوني مفرط. بينما لا تتجاوز نسبة من يعتبرونه غير كافٍ 8% فقط، وفي الجانب الإنساني يوجد 35% يعتقدون أن المساعدات الأمريكية للفلسطينيين غير كافية، بينما يرى 9% فقط أنها مفرطة. وهذه النتائج تؤكد وجود فجوة واضحة بين ما يراه الأمريكيون مناسبًا في الجانبين العسكري والإنساني.
ويُظهر الاستطلاع أن المخاوف من تبعات الصراع تطال غالبية الأمريكيين فهناك نسبة 8 من كل 10 أمريكيين يعبرون عن قلقهم من المجاعة في غزة، والغارات التي تزهق أرواح المدنيين، ومصير رهائن الكيان المتبقين، ونسبة 74% يخشون من احتمالية قيام حماس بهجمات جديدة، و69% يبدون تخوفهم من التهجير القسري للفلسطينيين من غزة. وهذه النسب المرتفعة تعكس قلقًا أمريكيًّا شاملًا من تداعيات الأزمة الإنسانية والأمنية على جميع الأطراف.
وأخيرًا يكشف الاستطلاع عن تباين ملفت في نظرة الأمريكيين بين الشعوب وقياداتها، فهناك نسبة 56% ينظرون بإيجابية للشعب الإسرائيلي، و52% للشعب الفلسطيني، بينما تسود النظرة السلبية للقيادات بنسبة 59% لحكومة الكيان الصهيوني، و68% للسلطة الفلسطينية، و84% لحماس.
ويبرز الاستطلاع الانقسام الحزبي بشكل حاد، فهناك نسبة 70% من الديمقراطيين ينظرون بإيجابية للفلسطينيين مقابل 37% فقط من الجمهوريين. و55% من الجمهوريين يؤيدون حكومة إسرائيل مقابل 18%فقط من الديمقراطيين. وهذه الفجوة في الأرقام تعكس عمق الاستقطاب السياسي في الرؤية الأمريكية للصراع.
ومن جانبه، يؤكد مرصد الأزهر الشريف أن نتائج هذا التقرير توضح أن الموقف الأمريكي من الصراع يشهد تحولًا تاريخيًّا، حيث لم يعد النقاش محصورًا في دوائر النخبة، بل امتد إلى الرأي العام العريض، فالتزايد الملحوظ في نسبة الأمريكيين الذين يرون أن الكيان الصهيوني "يتجاوز الحدود" عسكريًّا، إلى جانب الانتشار الواسع للقلق إزاء المعاناة الإنسانية في غزة، يشير إلى تحول في تقييم السياسات بعيدًا عن الاعتبارات الأمنية التقليدية نحو مراعاة أكبر للأبعاد الإنسانية والأخلاقية.
هذا التغير في الرأي العام، رغم استمرار الانقسام الحزبي الحاد، يضع صناع السياسة الأمريكية أمام معادلة جديدة متعددة المتغيرات، حيث يصبح التوازن بين الدعم التقليدي للكيان الصهيوني والضغط من أجل إنهاء المعاناة الإنسانية تحديًّا متزايد التعقيد. كما أن تزايد المطالبة بخفض المساعدات العسكرية للكيان الصهيوني وزيادة المساعدات الإنسانية لغزة يعكس اتجاهًا قد يؤثر على صناعة القرار في واشنطن خلال المرحلة المقبلة، خاصة في ظل استمرار الحرب وتصاعد حدة المشاهد الإنسانية الصادمة التي تصل للرأي العام الأمريكي يوميًّا.
وحدة الرصد باللغة الإنجليزية