14 أكتوبر, 2025

خلال ملتقى الأزهر للقضايا المعاصرة.. الأستاذ الدكتور/ عبد الفتاح العواري: اتهام المسلمين بأنهم آذوا أصحاب البلاد عند فتحها.. هو ادعاء باطل الغرض منه تشويه صورة الإسلام والمسلمين

خلال ملتقى الأزهر للقضايا المعاصرة.. الأستاذ الدكتور/ عبد الفتاح العواري: اتهام المسلمين بأنهم آذوا أصحاب البلاد عند فتحها.. هو ادعاء باطل الغرض منه تشويه صورة الإسلام والمسلمين

     عقد الجامع الأزهر، اليوم الثلاثاء، اللقاء الأسبوعي لملتقى الأزهر للقضايا المعاصرة، تحت عنوان: "التعامل مع الآخر"، بحضور: أ.د/ عبد الفتاح العواري، عميد كلية أصول الدين سابقًا، وعضو مجمع البحوث الإسلامية، وأ.د/ محمود الصاوي، وكيل كليتي الدعوة والإعلام سابقًا، وأدار الملتقى الدكتور/ أحمد الطباخ، مدير المكتب الفني للجامع الأزهر.

في بداية الملتقى، أكد الدكتور/ عبد الفتاح العواري، على الحتمية الكونية للتعايش؛ لأن المسلم ليس كائنًا منعزلًا، بل هو جزء من نسيج بشري يتكون من آخرين تتعدد شرائعهم ومذاهبهم وانتماءاتهم؛ ولهذا وضع الدين الإسلامي ضوابط ومنهجًا متكاملًا لتعامل المسلم مع هذا التنوع، وهو المنهج الذي نصت عليه آيات القرآن الكريم صراحة، وجسَّدته السُّنَّة العملية والقولية لسيدنا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في أبهى صورها، وقد سار الصحابة الكرام على هذا النهج، حاملين لواء الرسالة، وضربوا في مشارق الأرض ومغاربها، ليس فقط بالدعوة اللسانية، بل بتجسيد الأخلاق الإسلامية السامية؛ إيمانًا منهم بأن الإسلام جاء لإخراج الناس جميعًا من الظلمات إلى النور؛ ولذلك كان التبليغ عن هذا الدين واجبًا أساسه "لسان الحال" قبل "لسان المقال"؛ لأن سلوك المسلم القويم ومعاملته العادلة تشكل دلالة قطعية وبرهانًا عمليًّا على عظمة المبادئ التي يحملها، وهو ما جعل الدعوة الإسلامية ممارسات ملموسة تُسقط الحواجز وتجذب القلوب.

وبيَّن الدكتور/ عبد الفتاح العواري، أن الرسائل النبوية التي بعثها النبي -صلى الله عليه وسلم- لدعوة قادة المجتمعات إلى الإسلام، كانت تحمل في طياتها أرقى معاني الرحمة والاحترام والإنسانية، وقد تجلى ذلك في العنوان الدقيق الذي اختاره النبي -صلى الله عليه وسلم- لكل مخاطب؛ حيث لم يتنازل عن الإقرار بمكانتهم وسلطانهم الدنيوي، فنجده يخاطب المقوقس قائلًا: "من محمد عبد الله ورسوله، إلى المقوقس عظيم مصر"، ويراسل هرقل بلقب: "من محمد عبد الله ورسوله، إلى هرقل عظيم الروم"، وكذلك كسرى عظيم الفرس. مشيرًا إلى أن هذا التقدير للمكانة، بغَضِّ النظر عن المعتقد أو العِرْق، لم يكن مجرد خطاب دبلوماسي، بل أخلاق تعكس نظرة إنسانية شاملة تؤمن بأهمية احترام الأطر والأعراف السائدة، وتؤسس لمبدأ أن الحوار والدعوة لا يتعارضان، مع الإقرار بالآخر ومنزلته؛ مما يمثل نموذجًا تاريخيًّا فريدًا في التعامل الحضاري مع القوى العالمية.

وأوضح الدكتور/ عبد الفتاح العواري، أن النبي -صلى الله عليه وسلم- عمل على إرساء التعايش الإنساني في المجتمعات من خلال الاستناد على القواسم المشتركة؛ ولذلك نجد أن كثيرًا من خطاب القرآن الكريم موجه لعموم الناس وليس للمؤمنين فقط، كما قال النبي -صلى الله عليه وسلم- عن سيدنا عيسى: "الأنبياء إخوة من علات، وأمهاتهم شتى، ودينهم واحد"، وهذا هو المنطلق الإنساني في تعامل النبي -صلى الله عليه وسلم- مع وفد نصارى نجران؛ حيث أقر الاحترام المتبادل لحرية الاعتقاد بالسماح لهم بالصلاة في مسجده وقال: "دونكم المسجد؛ فصَلُّوا"، ثم عقد معهم صلحًا وعاهدهم على المحافظة على كنائسهم وبيعهم، وهذا يمثل قاعدة لبناء جسور التواصل والمواطنة المشتركة؛ فـاختلاف العقيدة لا يؤدي إلى الصدام؛ لأنه من منطلق القواسم الإنسانية يمكن التعايش مع كل أصحاب الأديان، فـالاختلاف والتنوع سُنَّة مقصودة أرادها الله في الحياة؛ قال تعالى: {وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَجَعَلَ النَّاسَ أُمَّةً وَاحِدَةً}.

وأضاف عميد كلية أصول الدين سابقًا، أن النبي -صلى الله عليه وسلم- عندما هاجر إلى المدينة، آخى بين الأوس والخزرج وسماهم الأنصار، وكذلك آخى بين المهاجرين والأنصار؛ حتى أصبح المجتمع جزءًا واحدًا؛ لذلك قال الحق فيهم: {وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنفُسِهِمْ}، وكذلك كان في المدينة يهود وهم: بنو قريظة، وبنو النضير، وبنو قينقاع؛ فعقد بينهم وثيقة المدينة التي نصَّت على أن الجميع شعب واحد يستظلون بظل المواطنة، ورغم هذا الاختلاف، كان المجتمع منسجمًا وهادئًا؛ حتى حدث ما حدث من خيانة اليهود ونقضهم للوثيقة، مشيرًا إلى أن اتهام المسلمين بأنهم آذوا أصحاب البلاد عند فتحها هو ادعاء باطل، الغرض منه تشويه صورة الإسلام والمسلمين.

من جانبه، أكد الدكتور/ محمود الصاوي، على عالمية الإسلام؛ لأنه دين يمتلك من الضوابط ما يتيح لأتباعه من المسلمين التعامل والتفاعل الإيجابي مع المختلفين معهم من الثقافات والأديان كافة، دون تعارض أو ذوبان للهُوية، بل بانسجام يحفظ المبادئ؛ ولهذا فإن علاقة المسلمين مع الآخر هي علاقة أجمعت عليها ونظَّمتها نصوص القرآن الكريم والسُّنَّة النبوية الشريفة، التي تدعو إلى العدل والإحسان وحُسن الجوار كأسس للتعايش السلمي، وهو ما يجعل التعايش الإنساني القائم على الاحترام المتبادل والعدل ركيزة أساسية في الممارسة الإسلامية.

وأوضح الدكتور/ محمود الصاوي، أن هناك اختلافًا بين مفهوم "الآخر" من المنظور الإسلامي، وبين المنظور في المجتمعات الغربية؛ فالآخر في الرؤية الغربية، وتبعًا لبعض الفلاسفة، يصور على أنه "الجحيم"، أو أنه مرآة تسلب الهُوية، كما يذهب بعضهم إلى أن الغرب وصف الشرق (الآخر) بصورة مغايرة للواقع؛ بغرض التخويف وتشويهه، مقدمًا إياه على أنه شخص غريب، غير عقلاني، ومولع بالشهوات، في حين يُعرِّفون أنفسهم بأنهم العقلانيون والديمقراطيون، ولو نظرنا إلى مفهوم الآخر في الإسلام، نجد أنه كيان إنساني مكرم ومحترم، يشمل كل من يختلف في العقيدة أو الثقافة، وتتعامل معه الشريعة الإسلامية انطلاقًا من مبدأ العدل والمساواة في الحقوق الإنسانية الأساسية، ويُعدُّ الاختلاف سُنَّة كونية ومدعاة للتعارف والتعاون البنَّاء؛ قال تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا}؛ لهذا يمكن القول إن الإسلام صَدَّرَ للعالم التعامل الحضاري.

وفي السياق ذاته، شدَّد الدكتور/ أحمد الطباخ، على أن القرآن الكريم أرسى الأسس الراسخة للتعامل الإنساني الحضاري مع الآخر المختلف، وهذا المنهج يقوم على مبدأ البِرِّ والقسط والعدل حتى مع غير المسلمين؛ قال تعالى: {لَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُم مِّن دِيَارِكُمْ أَن تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ ۚ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ}، وهذا المبدأ ليس مجرد نظرية، بل هو المنهج العملي الذي سارت عليه الأمة الإسلامية عبر تاريخها الطويل؛ حيث انطلقت دعوتها للتعايش من منطلق التكريم الإلهي العام للإنسان، بصرف النظر عن دِينه أو عرقه؛ قال تعالى: {وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُم مِّنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَىٰ كَثِيرٍ مِّمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلًا}؛ وهو ما جعل احترام الآخر وحِفْظ كرامته قِيمة دينية وإنسانية عُليا لا تتجزأ.
 

قراءة (149)/تعليقات (0)

كلمات دالة: