كلمة السيد المستشار عدلي منصور رئيس الجمهوية السابق
رئيس الجمهورية السابق المستشار عدلي منصور في كلمته بمؤتمر الأزهر ومجلس حكماء المسلمين:
- المفاهيم المغلوطةَ التي زَرَعَتْها جماعاتُ الإرهاب أدت إلى ممارساتٍ متطرفةٍ غريبةٍ على القيم الإنسانيةِ
- حان الوقت للوقوف على قلب رجلٍ واحدٍ ضد ممارساتِ العنف باسم الدِّين
- رمزيةَ ظهورِ القياداتِ الدينيةِ مجتمعينَ متحاورينَ مِن أقوى وأسرعِ العواملِ تأثيرًا إيجابيًّا على الثقافةِ العامَّة التي تسود المجتمعات
- مثل هذه المبادراتُ في كلِّ مجتمعٍ تؤدي إلى تعزيز سبلِ السلام وإلى انفتاح عمليٍّ لمعتنقي الأديان
نص كلمة السيد المستشار عدلي منصور رئيس الجمهوية السابق بمؤتمر "الحُرْيَّةُ والمُواطَنَة .. التَّنَوُّع والتَّكامُل"
صاحِبَ الفَضيلَةِ الأستاذ الدُّكتور/ أحمد الطَّيِّب، شيخ الأزهَر الشَّريف
السَّيِّدَاتُ والسَّادَةُ،
بدايةً أودُّ أن أعبرَ عن خالص شُكري وتقديري لفضيلة الإمام الأكبر أ.د/ أحمد الطيب، شيخِ الأزهرِ الشَّريف، رئيسِ مجلسِ حكماءِ المسلمين، على كريمِ دعوتِه لي لحضورِ هذا المؤتمرِ التَّاريخيِّ الكبيرِ.
السَّيِّدَاتُ والسَّادَةُ
إنِّ إقامةَ مؤتمرٍ دوليٍّ بهذا الحجمِ الكبيرِ وفي هذه الظروفِ العصيبةِ التي يمرُّ بها العالم، وتحتَ هذا العنوانِ العميقِ لهو خيرُ دليلٍ على وعيِ الأزهرِ الشَّريف ومجلسِ حُكماءِ المسلمين بدورِهما المؤثرِ تجاهَ قضايا الأمَّةِ العربيَّةِ والإسلاميَّةِ، ومساهمتِهما الجادَّةِ في مناقشة تلك القضايا مع جميع الأطراف الأخرى على مائدة الحُوار، وفي البحثِ عن حلولٍ موضوعيةٍ للمُشكلات التي تَعوقُ الحياةَ الآمنةَ المستقرةَ بين معتنقِي الأديانِ المختلفة.
إنَّ مصرَ بموقعِها وتاريخها العريقِ في العيش المشتركِ بين المسلمين والمسيحيين، وباستقرارها الذي حُرِمَتْ منه بعضُ دولِ الجِوار، لهي جديرةٌ باحتضانِ هذه الفعاليةِ التَّاريخيةِ الكبرى، التي جمعتْ مُمثِّلي كنائسِ الشَّرقِ بجميع طوائفها وقياداتها، وعددًا كبيرًا مِن المفكِّرينَ المسلمين والمسيحيين.
السَّيِّدَاتُ والسَّادَةُ،
إنَّ مجتمعاتِنا الشَّرقيَّةِ تتمتَّعُ بتاريخٍ طويلٍ وتراثٍ عريقٍ صَبغَهُ العيشُ المشترك بين المسلمين والمسيحيين، وحدَّدتْ معالمَه القيمُ الإنسانيةُ العليا التي رسَّختها ديانتانِ عاشتا أزمانًا طويلةً في سلامٍ واندماجٍ أصبحتْ تتوقُ إليه كثيرٌ مِن المجتمعاتِ الغربيَّةِ في وقتِنا هذا، وحديثُ هذا المؤتمرِ عن "المواطنة والحريَّات" وعن "التَّنوُّعِ والتكامل" يجبُ أنْ يُفهمَ منه أنَّ الحوارَ بين المؤسَّساتِ الإسلاميةِ والمسيحيةِ في الشَّرق على مستوى القيادات والنُّخبةِ يتوجَّهُ دومًا صَوْبَ القضايا المهمةِ والمؤثرةِ بل والمحدِّدةِ لحاضرِ ومستقبلِ المواطنِ العربيِّ الذي لا ينبغي أنْ تلعبَ هُوِيَّتُه الدينيةُ في دولة المواطنةِ الحديثةِ دورًا مِن شأنه تمييزُ دينٍ على آخَرَ في الحقوقِ والواجباتِ العامَّةِ.
إنَّ التصوراتِ الخاطئةَ والمفاهيمَ المغلوطةَ التي زَرَعَتْها جماعاتُ العنفِ والإرهابِ في أذهانِ عددٍ غيرِ قليلٍ مِن المواطنينَ والتي أثَّرتْ بدورها على ظهور ممارساتٍ دينيةٍ متطرفةٍ غريبةٍ على القيم الإنسانيةِ وتعاليمِ الأديان لن تستطيعَ مجابهتَها وإزالتَها مجموعةٌ دينيةٌ واحدةٌ أو مؤسسةٌ بمفردها دون الاجتماعِ مع الآخرِ والحوارِ معه، وبحث سُبلِ تصحيحِ المسارِ الوطنيِّ في الثقافةِ الدينية المجتمعيَّة العامَّة.
ولعلَّنا نعلَم جميعًا أنَّ رمزيةَ ظهورِ القياداتِ الدينيةِ مجتمعينَ متحاورينَ في مودةٍ ووئامٍ هي مِن أقوى وأسرعِ العواملِ تأثيرًا إيجابيًّا على هذه الثقافةِ العامَّة التي تسود المجتمعات، لا سيَّما إنْ طُرحتْ على مائدة هذا الحوار كافةُ القضايا المعاصرةِ الشائكةِ، وشارك في مناقشتها نخبةٌ من مفكري الديانتين وبمشاركة شخصياتٍ عامةٍ مؤثرةٍ وأخرى مِن متخذي القرارِ على المستوى الدينيِّ أو السياسيِّ، الأمرُ الذي تلمَّسناهُ جميعًا في هذا المؤتمرِ.
السَّيِّداتُ والسَّادةُ،
لقد ناقشَ المؤتمرُ في محوره الثَّاني قضيةَ "الحريةِ والتنوُّعِ"، وهي قضيةٌ مجتمعيةٌ دينيةٌ وسياسيةٌ عامَّةٌ، يضطلعُ بالبحثِ فيها الدِّينُ والدولةُ، المجتمعُ والفردُ، وهي إحدى أهمِّ القضايا المؤثرةِ على مسارِ ومستقبل المجتمعِ الشرقيِّ خاصةً في وقت ما بعد الربيعِ العربيِّ، الذي اختلطتْ معه إيجابياتُ الحريةُ وسلبيَّاتُها، وظهرتْ بعدَه عَوْراتٌ في ممارسةِ الحريةِ لم نَكُنْ نراها، وحُورِبتْ بعدَه نظريةُ التَّنوعِ ووجوب احترامِها من بعض الجماعات المتطرفة، ومن هنا تأتي أهميةُ الجلوسِ معًا لبحث أمر الحريةِ وحدودها، وأهميةُ ترسيخ مبدأ الحريةِ الدينيةِ وحرية ممارسةِ الشعائر في الثقافة الدينية، هذا المبدأُ المنبثقُ من الاعتراف بالآخَر وقبوله كإنسانٍ له حق العيش في سلامٍ وحق المشاركة الآمنة في الحياة العامة.
ومن هذا المنطلق أصبحَ لزامًا على جميع المؤسسات الدينيةِ وقياداتها أنْ تتصارحَ وبصوتٍ مسموعٍ وفي حريةٍ تامةٍ، وأن تَطرحَ ما لديها مِن مشكلاتٍ تواجهها الطوائفُ الدينية، وأنْ تَعرضَ مقترحاتها وكذلك مبادراتُها لحلِّ تلك المشكلات، مستفيدةً من هذه الفعاليات الكُبرى ومن هذا الجمعِ الكبير الكريم، الذي يتوجَّب عليه أنْ يؤكِّدَ أنَّ الوقتَ قد حان للوقوفِ على قلب رجلٍ واحدٍ ضد ممارساتِ العنف باسم الدِّين، وللتأكيد على حقائق شَكَّك البعضُ فيها، يأتي في مقدمتها أنَّ الجميعَ شركاءُ في الأوطان، والأهمُّ من ذلك التأكيدُ المستمرُّ على أنَّ الاجتماعَ لبحث القضايا المشتركة وحلِّ المشكلات إنما ينطلقُ في الأساس من الإيمان بهذه الشَّراكةِ، لا مِن الاختلافِ في الهُوِيَّةِ الدينيةِ أو الممارساتِ العَقَديَّة.
وأمَّا المحورُ الآخَرُ في هذا المؤتمرِ والذي تطرَّق إلى قضية "التَّجارب والتَّحديَّات" والذي تحدَّث فيه المشاركون حول المبادرات الإسلامية والمبادرات المسيحية وكذلك المبادراتُ المشتركة يمثِّلُ خطوةً مهمةً وجادةً على طريق التعاون الفاعل والقائم على أرض الواقع خارج الغرفِ المغلقة وبعيدًا عن النظريات المنفصلة عن التطبيق والتأثير، حيث من المنتظر أنْ تؤدِّيَ هذه المبادراتُ في كلِّ مجتمعٍ دينيٍّ إلى تعزيز سبلِ السلام وإلى انفتاح عمليٍّ لمعتنقي الأديان على الآخَر وقبولِه واحترامِه، ولعلَّه من المهمِّ أنْ تقوم لجانٌ مشتركةٌ من المؤسسات الدينية على تطوير تلك المبادراتِ والعملِ على نشرِها ومراقبةِ تأثيرها الإيجابيِّ على شبابِ الإسلام والمسيحية.
السَّيِّداتُ والسَّادة الكِرام،
إن دعوةَ الإسلام والمسيحيةِ هي دعوةُ سلامٍ ورحمةٍ ومحبةٍ وإن قولَ القرآن "وَلَتَجِدَنَّ أَقْرَبَهُم مَوَدَّةً للذينَ آمنُوا الذينَ قالوا إنَّا نَصارى"، وقول الإنجيل "أحبُّوا أعداءَكم" ستظلُّ آياتٍ مضيئةً تتحدى إلى يوم القيامة ظلامَ العبث بهذه الأديان ومحاولات النيلِ من قلوب معتنقيها الصافية بصفاء الرِّسالات الإلهية المقدسة، والنقية بالفطرة التي فطر الله الناس عليها.
ختامًا أشكركم على حسن استماعكم، داعيًا الله تعالى أنْ يُكَلِّلَ جهودكَم بالتوفيق
والسلام عليكم.
4570