داعش وانتهاك حرمة شهر الصيام.. (أنفسٌ زكيةٌ وأيادٍ شقيةٌ)
في إطار متابعتها الدقيقة لما يرتكبه تنظيم "داعش" من جرائم وحشية وبربرية في حق الآمنين والأبرياء في محتلف دول العالم، سجلت وحدة اللغة الفرنسية بمرصد الأزهر الشريف لمكافحة التطرف ظاهرة جديدة خلال تحليلها لما تقوم به عصابات داعش من أعمالٍ إرهابيةٍ تضافُ إلى رصيدِهِم الإجرامي العتيد.
فعلى مدار العامين المنصرمين 2015 و2016م وبعد انحسار قدرات التنظيم وفقدانه السيطرة على غالبية الأراضي التي كان قد بسط نفوذَهُ عليها في سوريا والعراق والجهود الدّوَلية المكثفة للقضاء على خلاياه السرطانية النشطة والخاملة التي تنتشر حول العالم وتبني عناصره الخفية لسياسة "الذئاب المنفردة" التي أقضت مضاجعَ الآمنين وبثَّت الرعبَ والذُّعرَ في نفوسهم.
تحل جريمة أخرى نكراء بلغت ما بلغت من الخسة والدناءة، هي تحويل هذا التنظيم الشيطاني لشهر رمضان المعظم من شهر للعبادة والفرح والسكينة لجموع المسلمين في مشارق الأرض ومغاربها إلى شهر لسفك الدماء والقتل وترويع الآمنين والاعتداء على الأبرياء، حيث لم تمر سنة منذ ظهور التنظيم إلا ودعا فيها إلى استباحة دماء الأبرياء وأعراضهم خلال هذا الشهر الكريم.
دعوات متجددة
فقبل أن يهل علينا رمضان لهذا العام 2017م، وجه تنظيم "داعش" رسالة صوتية على الإنترنت إلى من أطلق عليهم جنودَ الخلافةِ دعاهم فيها إلى مهاجمة "منازل الغربيين وأسواقهم وطرقهم ومنتدياتهم"، وقال إن "استهداف المدنيين هو الأكثر فاعلية.. جزاكم الله خيرًا في رمضان"، كما ورد فيها: "اعرفوا أن حربنا مع عدونا "الغرب الكفار" هي حرب شاملة".
وكانت ندءات سابقة مماثلة تَبِعَها سلسلةُ هجماتٍ في أوروبا والولايات المتحدة خلال شهر رمضان لعام 2016م، حيث وصف الناطق باسم التنظيم أبو محمد العدناني الذي قُتِلَ في غارة أميركية في نهاية أغسطس 2016م شهر رمضان بأنه "شهر الغزو والجهاد"، داعيًا مناصري التنظيم حول العالم إلى تنفيذ هجمات في أوطانهم بدل محاولة السفر إلى سوريا والعراق.
لماذا رمضان؟
تنقل مجلة "نيوزويك" قول (أمارنات أماراسينغام)، كبير الباحثين في معهد الحوار الإستراتيجي بلندن تعليقًا على هذا: "لأن داعش يعتبر الجهاد من الأعمال الأكثر نبلًا التي يمكن للمسلم أن يقوم بها، وتكتسبُ في رمضان مزيدًا من الأهمية".
فيما وصف مدير مركز تحليل الإرهاب الفرنسي (جان شارل بريزار) النداء الأخير الذي وجهه "داعش" بأنه ليس مفاجئًا، معتبرًا أنه محاولة أخرى من التنظيم لــــ "رفع صوته قبل رمضان مباشرة".
كما دعا حساب يدعى أبو حمزة المصري عبر أحد المنتديات الجهادية "المنبر الإعلامي الجهادي"، إلى ضرورة الاستعداد خلال الأيام القليلة القادمة لاستغلال الثغرات الأمنية في الدول العربية خلال الشهر الكريم نظرًا لإرهاق القائمين على التأمين لإدخال الأسلحة وتنفيذ عمليات كبرى، لتكن "انتفاضة كبرى" بحسب وصفه.
وثمة تدوينات متكررة تفيد تكرار التهديدات خاصة في الأيام القليلة المقبلة من شهر رمضان الكريم. أكد ذلك تداول مقولات لأبي حمزة المهاجر، وزير الحرب السابق في تنظيم أبو بكر البغدادي، الذي قُتِلَ في أبريل 2010م، تقول: «فاحرص على الشهادة في هذا الشهر الكريم، وإياك أن تحسب أن الشهادة لقطة لا قيمة لها بل هي كنز».
كما خاطب التنظيم الخلايا النائمة على صفحات العدد الأخير من مجلته الأسبوعية النبأ والصادر الخميس 18مايو 2017م، تحت شعار «لَبّوا النداءَ» لحثِّهم على المسارعة إلى الشهادة وإزهاق الأرواح البريئة والاعتداء على الآمنين المسالمين وغيرهم.
كما جاء في مقال آخر تحت عنوان "واقعدوا لهم كُلَّ مرصدٍ" تأكيد التنظيم على مضيّه في إستراتيجية العمليات الانتحارية والاغتيالات حيث قال: "تتوالى التفجيرات والعمليات الاستشهادية، مسببة لهم المزيد من الرعب والخوف في المناطق التي يحسبونها آمنة من ضربات جنود الخلافة".
ويستطرد المقال: «إن المرتدين بكل أنواعهم، ومِن ورائهم أسيادهم الصليبيون، يخطئون كثيراً عندما يظنون أن إخراج الدولة من منطقة ما بقصفٍ جوي عنيف، أو حادثة غدر وخيانة، سيجعلها تيأس من العودة إليها، أو ترضى ببقاء الكفار فيها آمنين مطمئنين».
وهدد التنظيم باستمرار عمل "المفارز الأمنية": "حرب المفارز ضد المرتدين ما زالت في بدايتها، ولا يمرّ يوم إلا ويزداد المجاهدون فيه خبرة على خبرتهم بطرق خداع أعدائهم، وإفشال خططهم الأمنية، وتجاوز الحدود والعقبات التي ينصبونها في طريق المجاهدين؛ لتقيهم من ضرباتهم".
داعش على خطى رمضان 2016 (تحريض وضحايا):
وخلال رمضان 2016م، نفذت عناصر تابعة لتنظيم "داعش" هجمات دموية في أورلاندو (49 قتيلاً) ونيس (86 قتيلاً) ودكا (22 قتيلاً) وإسطنبول (41 قتيلاً) وبغداد (323 قتيلاً).
كما قام متطرفان فرنسيان تابعان للتنظيم بذبح كاهن قرب بلدة روان الفرنسية. وفي مجلته الأسبوعية "النبأ"، تباهى التنظيم لاحقًا بقتل أكثر من 500 شخص خلال رمضان2016م.
رمضان 2017م جرائم مفزعة وأياد ملطخة بالدماء:
الهجوم على حافلة تقل أقباطًا مسيحيين في المنيا بمصر
استهل تنظيم "داعش" حلقات مسلسله الإجرامي لرمضان 2017م قبل يوم واحد من حلول الضيف الكريم، بقيامه بعملية إرهابية في مدينة المنيا بمصر، إذ قام عدد من المسلحين بفتح النيران على حافلة تحمل مواطنين مسيحيين، حيث اكتست محافظتا المنيا وبني سويف، بالسواد بدلًا من زينة رمضان، وارتسم الحزن على الوجوه، بدلًا من فرحة وصول الشهر المبارك، على وقع مصرع أبنائهم في المحافظتين في الحادث الإرهابي الغشيم، الذي استهدف حافلة المسيحيين الأقباط، والذين كانوا في طريقهم لتأدية الصلاة بدير الأنباء صموئيل، غرب مدينة العدوة، بالمنيا، بالطريق الصحراوي الغربي «مصر – أسوان وأسفر الحادث عن عن وقوع 28 شخصًا من الضحايا من بينهم أطفال ونساء، وإصابة 25 آخرين بعضهم في حالة حرجة.
اليوم الأول من شهر رمضان، الهجوم على مخيمات النازحين في القلمون على الحدود السورية اللبنانية:
هاجم تنظيم الدولة المناطق التي تسيطر عليها المعارضة السورية في منطقة وادي حميد والملاهي، على الحدود اللبنانية السورية، ليستهلّ نازحو القلمون العالقون خارج حدود بلدة عرسال اللبنانية يومهم الرمضانيّ الأول بالرعب الذي عاشوه على أصوات إطلاق النار الكثيف جرّاء المعارك التي اندلعت بالقرب من مخيماتهم دون سابق إنذار.
تفجير "الكرادة" وسط العاصمة العراقية بغداد:
وفيما يتعلق بهجوم الكرادة الذي وقع مساء الاثنين 29 مايو 2017م، فقد أسفر عن مقتل 17 وإصابة 76 مدنيًا بعدما عبرت سيارة رباعية أمام متجر لبيع المثلجات في حي الكرادة وسط بغداد المكتظ بالمدنيين والمركبات، وفي لحظات حولت العديد من العراقيين إلى أشلاء ودمرت الكثير من المحال والمباني.
وتبنى "داعش" الهجوم، الذي لا يعتبر الأول من نوعه، الذي يستهدف الكرادة، ففي شهر رمضان العام الماضي انفجرت سيارة مفخخة في المنطقة ذاتها، وأدت إلى مقتل أكثر من 320 عراقيًا وجرح 250.
الهجوم على قاعة مانشستر أرينا خلال حفل غنائي ببريطانيا:
قُتِلَ نحو 22 شخصًا بينهم أطفال وأصيب العشرات (نحو 60 مصابًا) حين فجَّر رجل ينتمي إلى تنظيم داعش يسمى سلمان عبيدي يبلغ من العمر 22 عامًا قنبلةً خلال حفل موسيقي كانت تحييه المغنية الأميركية أريانا غراندي ليل الاثنين 22 مايو2017م في قاعة مانشستر آرينا، ليعلن تنظيم داعش الإرهابي لاحقًا مسؤوليته عن الاعتداء في بيان تناقلته حسابات التنظيم على مواقع التواصل الاجتماعي جاء فيه: «تمكن أحد جنود الخلافة من وضع عبوات ناسفة وسط تجمعات للصليبيين في مدينة مانشستر البريطانية، حيث تم تفجير العبوات في مبنى آرينا للحفلات الماجنة»، متوعدًا بمزيد من الاعتداءات.
وقد احتفى التنظيم الإرهابي بالتفجيرات، ودشَّن عناصرُهُ هاشتاج على موقع التواصل الاجتماعي «تويتر»، حمل تدوينات تتعهد باستمرار الهجوم، وأن المفارز الأمنية بإمكانها الوصول إلى أي بؤر مهما كانت محصنة.
أحد الحسابات حمل اسم «المظفر عمر» قال: «اليوم ينقلب عيشهم كدرًا وأرواحهم تموت كدرًا، فأمام كل مسلم يقتل مائة منكم والحرب بأولها».
وقد أعلن تنظيم "داعش" مسؤوليته عن هجوم جسر لندن، حسب ما نقلته وكالة "أعماق"، ذراعه الإعلامي، الأحد 4 يونيو2017م إذ نشرت أن مفرزة لمقاتلي التنظيم هي من قامت بالهجوم الذي شهدته لندن السبت 3 يونيو2017م.
كان 7 أشخاص قد لقوا مصرعهم وأصيب 48 آخرون في الهجوم، عندما قام ثلاثة رجال، مساء السبت3 يونيو2017م بدهس عدد من المارة على جسر لندن، قبل الارتجال من الحافلة الصغيرة التي كانوا يقودونها وطعن آخرين في الحانات والمطاعم القريبة. هذا وقد قُتِلَ المهاجمون الثلاثة على يد الشرطة البريطانية.
مهاجم مناصر لداعش يعتدي على رجال الشرطة أمام كاتدرائية نوتر دام بباريس.
أعلنت السلطات الفرنسية الثلاثاء 6 يونيو2017م أن شُرَطيًا أطلق النار على رجل هاجمه بمطرقة أمام كاتدرائية نوتردام في وسط باريس، مما أصابه بجروح نُقِلَ على أثرها إلى المشفى، وفتحت نيابة مكافحة الإرهاب من جهتها تحقيقًا بشأن الاعتداء.
أفادت الشرطةُ الفرنسيةُ أن المهاجم هو طالب جزائري يبلغ من العمر 40 عاما، يتواجد حاليًا في المشفى، وكان يحمل بطاقة هوية باسم “فريد“ تقوم الشرطة الفرنسية بالتحقق منها، كما أفاد مصدر مقرب من التحقيق أن منفذ الهجوم بايع تنظيم الدولة الإسلامية في فيديو.
وأضافت الشرطة الفرنسية بأنه مسجل في جامعة لورين في مدينة “ميتز” بصفته طالب دكتوراة، منذ 2014 وتتناول رسالته حسب رئيس جامعة “لورين” بيار موتزنهار الإعلام والانتخابات في شمال إفريقيا، وهو طالب لم يبد عليه أي أمر مريب.
هجومان على البرلمان وضريح الخميني في العاصمة الإيرانية طهران:
في أحدث عملياته الإرهابية في شهر رمضان لعام 2017م - حتى كتابة هذه السطور - استهدف تنظيم داعش الأربعاء 7 يونيو2017م إيران، حيث هاجم مسلحون وانتحاريون تابعون له البرلمانَ الإيراني الذي يعرف باسم «مجلس الشورى الإسلامي»، وضريح آية الله الخميني في طهران وقتلوا 12 شخصًا وجرحوا 42 آخرين.
ونقلت وكالة «تسنيم» شبه الرسمية للأنباء عن محمد حسين ذو الفقاري، نائب وزير الداخلية، قوله إن «المهاجمين تنكروا في ملابس نسائية ودخلوا مبنى البرلمان في وسط طهران من البوابة الرئيسية». وأضاف: «قتل أحدهم بالرصاص وفجر آخر سترته الناسفة».
وبعد حوالي خمس ساعات من التقارير الأولية، أفادت وكالات أنباء إيرانية بمقتل المهاجمين الذين نفذوا العملية ضد البرلمان وانتهاء الهجوم.
وأوضحت وزارة الداخلية الإيرانية، في بيان لها أن «الخلية الإرهابية الأولى والتي كانت تضم شخصين دخلت فناء ضريح خميني، العنصر الأول فجَّر نفسَه فيما قُتِلَ الثاني في الاشتباك مع رجال الأمن حينما كان يطلق النار عشوائيًا.
وأضافت أن الخلية الإرهابية الثانية المؤلفة من 4 عناصر كانت قد سَعَتْ تزامنًا مع عملية الخلية الأولى للدخول إلى المبنى الإداري لمجلس النواب الإيراني، وبعد الرد من رجال الأمن، فجَّر أحدُهم نفسَه فيما قُتِلَ العناصرُ الثلاثة الآخرون بعد إطلاقهم النار عشوائيًا ومحاولتهم الدخول إلى الطوابق العليا للمبنى الإداري للبرلمان خلال اشتباكهم مع القوات الأمنية».
وختاماً فإنا ننتظر ما ستسفر عنه الأيام المتبقية من هذا الشهر الكريم هل سينجح تنظيم داعش مرة أخرى في إفساد فرحة المسلمين والعالم بشهر رمضان شهر المغفرة والرضوان وإدخال الحزن والألم في القلوب وفي البيوت أم ستكفينا شره العنايةُ الإلهيةُ عبر الجهود الحثيثة الدولية والإقليمية والمحلية لمحاربته ومكافحة ضلالَ فكرِهِ وسوءَ فعلِهِ وعملِهِ.
وحدة الرصد باللغة الفرنسية
3461