رحمة الإسلام وحقيقة الدواعش
نقلت وكالاتُ الأخبار العالمية احتفالاتِ قوات سوريا الديمقراطية، بعد إعلانِها السيطرةَ الكاملة على مدينة "الرَّقَّة" التي كانت تُعَدّ عاصمةً للخلافة المزعومة لتنظيم "داعش" الإرهابي لمدة لا تقل عن ثلاث سنوات، حَكَم فيها التنظيمُ بالحديد والنار أجسادَ البشر لكنه لم يَملك يومًا قلوبَهم، فأقام خلافةً مزعومة حاول من خلالها تقييدَ الحريات وإلغاء الهُوِيَّة العربية الإسلامية التي اعتاد الناس عليها؛ بل أقام قوانينَ خاصّةً به زَعم من خلالها أنها تُمثِّل الإسلام، والإسلام منها بَراء، فقَطع الرءوسَ والأياديَ، وأَجبر النساء على لُبْس النِّقاب، وجَلَد وضَرَب أهل "الرَّقَّة" وأجبرهم على تأييده ورفْع رايته، وكل مَن كان يحاول الهروب من "الرَّقَّة" ضَرَب عُنقَه؛ حتى باتت كبلاد الأشباح ودفَع الناس لكراهية التَّدَيُّن الظاهريّ الذي يَدينون به.
إزالة الغُمّة وظهور الحقيقة!
مع إعلان تطهير "الرَّقَّة" من التنظيم الفاشيّ، زالت الغُمّة عن جموع المدنيين المحتجَزين داخل المدينة وظهرت حقيقة هؤلاء السفاحين الذين يَدْعون إلى الفضيلة وهم أحوجُ الناس إليها. ورغم أن خروج تلك العقول التي تحمل ذلك المرض اللعين، مرض الكره والبغضاء والقتل وسفك الدماء، هو نذيرٌ للأماكن الجديدة التي قد يَحلّ بها، لكنه في الوقت نفسِه إظهارٌ للحقائق ورفْعٌ للغُمَّة عن مدينةٍ باتت تحت سيطرة خفافيش الظلام لمدةٍ تقترب من ثلاث سنوات، وإيضاحًا بأن إجبار الناس على اتّباع تعاليمَ مُعَيَّنةٍ لا يخلق منهم أبدًا صالحين.
فمشهد احتفال بعض النساء بخروج هؤلاء الوحوش الضارية من أرضهم بخلْع البُرْقُع والعباءات السوداء –اللاتي أُجبرن على ارتدائها في ظلِّ حُكْمِه- يوضِّح أن إجبارَ شخصٍ ما على فعلٍ دون إرادته لا يجعل منه مؤمنًا؛ وهو ما أكده القرآن الكريم حين ذَكَر أنه "لا إكراهَ في الدين"، ولا أدلّ على هذا من تلك المشاهد التي تُظهِر تَخَلِّيَ الناسِ عن اللحية والحجاب وأيِّ مظهرٍ إسلامي بعد خروج التنظيم. فطبقًا لمقطعٍ مُصَوَّرٍ نشرته صحيفة (Independent) قامت سيدةٌ بخلْع عباءتِها السوداء التي أجبرها التنظيم على ارتدائها، كما قامت بتقبيل إحدى مقاتلات وحدات حماية الشعب والسجود لله شُكْرًا، عقب إعلان القوات التي تقاتل "داعش" أن الحرب ضد التنظيم قد انتهت.
كما أن مشهد أحد أفراد التنظيم الذي يطلب سيجارةً ليُدخّنها أمام الكاميرات -التي طالما ضرَب وقتَل التنظيمُ مَن يبيعونها- هو إظهارٌ لحقيقة هؤلاء القتلة وأنهم حُفْنَةٌ من المنافقين الذين يُظهرون ما لا يُبطنون، وأنه لا بُدَّ على الجميع أن يَعيَ حقيقةَ هؤلاء الخوارج الذين لا يعلمون عن الإسلام إلا اسمَه ولا عن القرآن إلا رَسْمَه.
لم يكن أبدًا الإسلامُ سوطًا فوق الرءوس، وما كان إجبارًا للناس على ترْك ديانِتهم أو التحوُّل عن عقيدتهم، ولم يكن يومًا يسعى لخلْقِ فئةٍ منافقةٍ من المجتمعات تُظهِر ما لا تُبطِن، بل كان اعتقادًا راسخًا وعملًا خالصًا لله، لا يسعى أبدًا للدماء –دماء أعدائِه قبل أبنائه- بل كان النبي -صلى الله عليه وسلم رحمةً مُهداة ونِعمةً مُسداة حَلّت على جميع البشر، فرسول الإسلام كما وصفه ربُّه: "وما أرسلناك إلا رحمةً للعالمَين"، جاء بالرحمة للأعداء فقال لهم: "اذهبوا فأنتم الطُّلَقاء" بعد اضطهادهم إياه لسنواتٍ داخلَ مَكّةَ وخارجَها، كما كان رحمةً للحيوان حين قال لمن عَذّب حمارًا: "لعَن اللهُ مَن وَسَم هذا"، وكان رحمةً للجماد حين احتَضن الجِذْع بعد حنينه إلى قدمَي النبي -صلى الله عليه وسلم- بعدما صُنع له منبرٌ، وقال للجِذْع: "ألا يكفيك أن تكونَ منبري في الجنة"، بل كان -صلى الله عليه وسلم- رحمةً للعُصاة من المسلمين الذين ارتكبوا الكبائر قبل الصغائر؛ فأرجأ المرأة التي زَنَتْ لسنواتٍ قبل إقامة الحد لعلها لا ترجع إليه، ﺛﻢ ﺃَﻣﺮ ﺑﻬﺎ بعد حَدّها ﻓﺼﻠﻰ ﻋﻠﻴﻬﺎ ﻭﺩُﻓﻨﺖ، ﺛﻢ ﺃﻣﺮﻫﻢ ﻓﺼَﻠَّﻮْﺍ ﻋﻠﻴﻬﺎ، ﻓﻘﺎﻝ ﻋﻤﺮُ: ﻳﺎ ﺭﺳﻮﻝَ ﺍﻟﻠﻪ ﺗُﺼلي ﻋﻠﻴﻬﺎ ﻭﻗﺪ ﺯَﻧَﺖْ؟ ﻗﺎﻝ: "ﻭﺍﻟﺬﻱ ﻧﻔﺴﻲ ﺑﻴﺪﻩ ﻟﻘﺪ ﺗﺎﺑﺖْ ﺗﻮﺑﺔً ﻟﻮ ﻗُﺴﻤﺖْ ﺑﻴﻦ ﺳﺒﻌﻴﻦ ﻣﻦ ﺃﻫﻞ ﺍﻟﻤﺪﻳﻨﺔ ﻟﻮَﺳِﻌﺘﻬﻢ، ﻭﻫﻞ ﻭﺟﺪﺕَ ﺃﻓﻀﻞَ ﻣﻦ ﺃﻥ ﺟﺎﺩﺕْ ﺑﻨﻔﺴﻬﺎ"؟ وأمّا الرجل الذي زنى فقد جاء إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- فقال: يا رسول الله طَهِّرني، فقال: «وَيْحَكَ! ارْجِعْ فَاسْتَغْفِرِ اللهَ وَتُبْ إِلَيْهِ». فرجَعَ غيرَ بعيدٍ، ثمَّ جاء؛ فقال: يا رسول الله طهِّرني، فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: «وَيْحَكَ ارْجِعْ فَاسْتَغْفِرِ اللهَ وَتُبْ إِلَيْهِ». فرجع غيرَ بعيدٍ ثمَّ جاء؛ فقال: يا رسول الله طهِّرني، فقال النَّبيُّ -صلى الله عليه وسلم- مِثْلَ ذلك، حتى إذا كانت الرابعةُ، قال له رسول الله: «فِيمَ أُطَهِّرُكَ؟» فقال: من الزِّنى، فسأل رسولُ الله -صلى الله عليه وسلم-: «أَبِهِ جُنُونٌ؟»، فَأُخْبِرَ أنَّه ليس بمجنونٍ فقال: «أَشَرِبَ خَمْرًا؟» فقام رجلٌ فَاسْتَنْكَهَهُ فَلَمْ يَجِدْ منه ريحَ خمرٍ، قال: فقال رسولُ الله -صلى الله عليه وسلم-: «أَزَنَيْتَ؟» فقال: «نعم»، وبعد أن أَصَرّ على أن يقام عليه الحَدُّ ويُرجم، ما لَبِثَ إلّا أن أَحَسّ بوقْع الحَصى ففَرّ، فذهب رجلٌ خلفه فضربه بصخرةٍ فقضى عليه، فعاتبهم النبي عندما علم وقال: لِمَ لَم تتركوه، وقال: «لَقَدْ تَابَ تَوْبَةً لَوْ قُسِمَتْ بَيْنَ أُمَّةٍ لَوَسِعَتْهُمْ».
هذا هو الإسلام الذي نعرفه؛ الذي يسعى لحفظ الدماء لا إراقتها، يسعى لمخاطبة العقل لا إكراهه، يسعى لنشر الحُبّ والسلام لا الكره والبغضاء، يسعى للتأثير في القلوب والأرواح لا لمُجَرَّدِ التّديُّن الظاهريّ الذي يُستجلب بالقُوّة والقَهْر!
وحدة رصد اللغة الإنجليزية
1835