مأساة مسلمى الروهينجا

 

الجدال بالتي هي أحسن كمبدأ للحوار مع أهل الأديان
Sameh Eledwy
/ الأبواب: الردود الشرعية

الجدال بالتي هي أحسن كمبدأ للحوار مع أهل الأديان

بسم الله الرحمن الرحيم
المبادئ :
1. الاختلاف سنة كونية .
2. الحوار مع المختلفين منهج قرآني.
3. منهج الرسول صلى الله عليه وسلم في التعامل مع الآخر .
 
التفصيل :
 
أولا: الاختلاف سنة كونية:
إنَّ اختلاف الناس في أديانهم وعقائدهم سنة قدرها وقضاها رب العالمين, لحكمة عظيمة وغاية جليلة وهي الابتلاء والاختبار ، وقد جاءت نصوص القرآن الكريم تقرر أن الخلاف باق بقاء الإنسان على هذه الأرض، وأن التعدد والتنوع في أخلاق وسمات البشر مما مضى به القدر الإلهي فسنة الله تعالى في خلقه أن تتنوع دياناتهم كما تنوعت أجناسهم وألسنتهم وألوانهم ، ولذلك فإن المسلم ينبغي عليه أن يعي  هذه الحقيقة التي تزخر بها آيات عديدة كقوله تعالى: {وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَآمَنَ مَنْ فِي الْأَرْضِ كُلُّهُمْ جَمِيعًا}، وقوله: {وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَجَعَلَ النَّاسَ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلَا يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ} {إِلَّا مَنْ رَحِمَ رَبُّكَ وَلِذَلِكَ خَلَقَهُمْ وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ} (سورة هود: 118-119), والمراد بالاختلاف هنا: الاختلاف في الدين وليس في الألوان والأذواق واللغات ونحوها، ومقتضى هذا الاختلاف أن ينشأ حوار بين المختلفين.
ثانيا: الحوار مع المختلفين منهج قرآني:
القرآن يربي المسلمين على أن الحوار طبيعة إنسانية، كما أنه ضرورة دينية، فقد كان مهمة الرسل جميعاً  صلوات الله تعالى  وسلامه عليهم - وهو واجب على أتباع محمد صلى الله عليه وسلم ، مصداقا لقول الله  عز وجل: { وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا } [البقرة: 143]، وقوله  سبحانه : {قل هذه سبيلي أدعو إلى الله على بصيرة أنا ومن اتبعني} [يوسف: 108]، فالمسلم منفتح على الحوار مع غيره من الأفراد والثقافات، ولكنه في ذات الوقت له ثوابته التي يتمسك بها، ومنطلقاته التي يصدر عنها ،  فلا هو  بالذي يتنازل عن ثوابته ابتغاء رضى الآخرين عنه لأنه يعلم قول الله تعالى: {قل يا أهل الكتاب تعالوا إلى كلمة سواء بيننا وبينكم ألا نعبد إلا الله ولا نشرك به شيئاً ولا يتخذ بعضنا بعضاً أرباباً من دون الله فإن تولوا فقولوا اشهدوا بأنا مسلمون} [آل عمران: 64].
ولا هو بالذي  يحاور ويجادل بأسلوب فظ غليظ ، لأنه يعلم قول الله تعالى: {فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ}، بل بالحكمة والموعظة الحسنة والرحمة، قال تعالى: { ادع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتي هي أحسن } . قال ابن كثير في تفسيرها: ((وقوله: { وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ } [سورة النحل 16/125] أي: من احتاج منهم إلى مناظرة وجدال فليكن بالوجه الحسن برفق ولين وحسن خطاب..))( ).
 وقال تعالى: { وَلا تُجَادِلُوا أَهْلَ الْكِتَابِ إِلاَّ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِلاَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ وَقُولُوا آمَنَّا بِالَّذِي أُنْزِلَ إِلَيْنَا وَأُنْزِلَ إِلَيْكُمْ وَإِلَهُنَا وَإِلَهُكُمْ وَاحِدٌ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ } [سورة العنكبوت 29/46]. قال الشوكاني رحمه الله: (( { وَلا تُجَادِلُوا أَهْلَ الْكِتَابِ إِلاَّ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ } أي: إلا بالخصلة التي هي أحسن في دعوتهم  إلى دين الله عز وجل وتنبيههم على حججه وبراهينه رجاء إجابتهم إلى الإسلام لا على طريق الإغلاظ والمخاشنة. { إِلاَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ } بأن أفرطوا في المجادلة ولم يتأدبوا مع المسلمين فلا بأس بالإغلاظ عليهم والتخشين في مجادلتهم))( ).
بل إن الخطاب القرآني تعدى مبدأ الحوار كمنهج إلى الإحسان في لغة الحوار  ، وخاصة مع أهل الكتاب ،  ومن صور الإحسان ما يلي :
1- اتباع طريقة القرآن في جداله لأهل الكتاب كما في قوله تعالى : { قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا إِلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلاَّ نَعْبُدَ إِلاَّ اللَّهَ وَلا نُشْرِكَ بِهِ شَيْئاً وَلا يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضاً أَرْبَاباً مِنْ دُونِ اللَّهِ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُولُوا اشْهَدُوا بِأَنَّا مُسْلِمُونَ } [سورة آل عمران 3/64]))( ). ولهذا امتثلها النبي صلى الله عليه وسلم فكتبها في رسالته إلى هرقل عظيم الروم يدعوه إلى الإسلام ونبذ الشرك. وقد حرَّفَ العصرانيون معنى ((الكلمة السواء)) إلى معانٍ فاسدة ( ).
2- عدم تكذيب ما عندهم مما لا يخالف ما جاء عندنا تكذيباً عاماً لمجرد كونه من كتبهم بل ينبغي السكوت عن ذلك فلا يصدقون ولا يكذبون ، قال النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " لاَ تُصَدِّقُوا أَهْلَ الكِتَابِ وَلاَ تُكَذِّبُوهُمْ "   .
3- ومنه: عدم تفضيل نبينا محمد صلى الله عليه وسلم على أنبيائهم عليهم الصلاة والسلام على وجه الحمية والعصبية لحديث أبي هريرة عند البخاري: قال صلى الله عليه وسلم: ((لا تخيروني على موسى …)).وفي رواية عند البخاري أيضاً: ((لا تفضلوا بين أولياء الله)).
4- ومنه: أن تكون المجادلة: ((بحسن خلق ولطف ولين كلام ودعوة إلى الحق وتحسينه ورد الباطل وتهجينه بأقرب طريق موصل لذلك وأن لا يكون القصد منها مجرد المجادلة والمغالبة وحب العلو بل يكون القصد بيان الحق وهداية الخلق))( ).
5- ومنه: أن ينزل خطاب كل طائفة منهم على ما يقتضيه فقه الواقع ومعرفة المجادل أوالمحاور بأحوالهم إذْ إنهم: {لَيْسُوا سَوَاءً } [آل عمران: 113].
 

ثالثا: منهج الرسول صلى الله عليه وسلم في التعامل مع الآخر.
لما كانت الرحمة عنوان رسالة النبي صلى الله عليه وسلم فقد جبله الله تعالى على الرحمة قال تعالى {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ} (الأنبياء، الآية: 107)   ، و قال رسول الله - صلَّى الله عليه وسلم -: "يا أيها الناس، إنما أنا رحمة مهداة"    ، ولأن النبي صلى الله عليه وسلم  مبين للقران ، فحواره مع أهل الكتاب هو التطبيق العملي للحوار القرآني مع أهل الكتاب وهو في هذا ماضٍ على سنة الأنبياء من قبله في حوارهم لأقوامهم وبيان الحق لهم، يدعو إلى الله على بصيرة فكان يواجه الناس على اختلاف عقائدهم منهم: المسترشد الذي يطلب الحق ليلتزم به ومنهم الجاهل الذي يبتغي العلم فيستنير به ومنهم الجاحد الذي يسلك سبيل المدافعة والمنازعة بغية المغالبة والانتصار على الخصم ، لكنه قد يستسلم لما تنتج عنه المدافعة والمنازعة وظهور الحجة وبيان المحجة ومنهم المعاند المتلدد الذي لا يلوي على شيء غير الوقوف أمام كل جديد بالصد والإنكار بدعوى التزام ما كان عليه الأولون من الآباء والأجداد … فواجههم عليه الصلاة والسلام وقد وعى طريقة القرآن في بيان الحق وتثبيته ودفع الباطل وتزهيقه فكانت العلاقة وثيقة بين حوار القرآن مع أهل الكتاب والحوار معهم في السنة المطهرة ولا عجب فالنبي صلى الله عليه وسلم هو المفسر والمبين لوحي القرآن( ).
فالنبي صلى الله عليه وسلم كان رحيما سمحا في حوار مع الآخرين، ولقد تعددت صور السماحة في هدي النبي صلى الله عليه وسلم مع غير المسلمين وشواهد ذلك من سيرته لا تحصر ومنها ما يلي:
1. تجاوزه عن مخالفيه ممن ناصبوه العداء فقد كانت سماحته يوم الفتح غاية ما يمكن أن يصل إليه صفح البشر وعفوهم فكان موقفه ممن كانوا حربا على الدعوة ولم يضعوا سيوفهم بعد عن حربها أن قال لهم: «اذهبوا فأنتم الطلقاء» ( ) .
ولقد وضع النبي صلى الله عليه وسلم في هذا اليوم العظيم أسس الحوار البناء الذي يخلو من الكبر والصلف والغطرسة واحتقار الآخرين والتشفي منهم ، وإذا كانت الذاكرة لا تزال مليئة بصور العذاب والاضطهاد للنبي صلى الله عليه وسلم ومن معه من المؤمنين إلا النبي صلى الله عليه وسلم قد صفح عنهم الصفح الجميل الذي لا عتاب معه ، وخاطبهم بقوله " ما ترون أني فاعل بكم " فطمعوا في عفوه ، وكان عند حسن ظنهم فعفا عنهم وقال عبارته التي سجلها التاريخ ووعاه سمع الزمان «اذهبوا فأنتم الطلقاء» لتستقر في أفئدة الذين يخشون ربهم بالغيب فتنعم البشرية بأجواء الهدوء والأمان وتتلاقى بالحوار  الهادف والاحترام المتبادل ولتحقق البشرية الغاية النبيلة من اختلاف أجناسها وأديانها ولغاتها تعاون  لا تقاطع ، وتكامل لا تدابر  ، وبناء لا هدم .
2. دعاؤه صلى الله عليه وسلم لمخالفيه من غير المسلمين فقد قدم الطفيل بن عمرو الدوسي وأصحابه فقالوا: «يا رسول الله إن دوسا قد كفرت وأبت فادع الله عليها، فقيل: هلكت دوس - ظنا بأن النبي صلى الله عليه وسلم إنما رفع يديه للدعاء عليها - فقال صلى الله عليه وسلم: (اللهم اهد دوسا وائت بهم) » (رواه مسلم: 2524 ) ، وجاء الأنصار إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالوا: «يا رسول الله ادع الله على ثقيف فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (اللهم اهد ثقيفا) ، قالوا يا رسول الله ادع عليهم فقال: (اللهم اهد ثقيفا) ، فعادوا فعاد فأسلموا» فوجدوا من صالحي الناس إسلاما ووجد منهم أئمة وقادة (2)  ، ومن صور الدعاء ما كان من اليهود حيث كانوا يتعاطسون عند النبي صلى الله عليه وسلم رجاء أن يقول لهم يرحمكم الله فلم يحرمهم من الدعوة بالهداية والصلاح، فكان يقول: «يهديكم الله ويصلح بالكم» (رواه البخاري: 719) .
3.  وكان صلى الله عليه وسلم يغشى مخالفيه في دورهم فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: «بينا نحن في المسجد إذ خرج إلينا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: انطلقوا إلى يهود فخرجنا معه حتى جئناهم فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم فناداهم فقال: (يا معشر يهود أسلموا تسلموا) فقالوا: قد يلغت يا أبا القاسم» . . (رواه مسلم:1765) . وعاد صلى الله عليه وسلم يهوديا، كما في البخاري عن أنس رضى الله عنه «أن غلاما ليهود كان يخدم النبي صلى الله عليه وسلم فمرض فأتاه النبي صلى الله عليه وسلم يعوده فقال: (أسلم) فأسلم» (رواه البخاري:5657) .
تلك صور من سماحة النبي صلى الله عليه وسلم مع غير المسلمين وهي شاهد صدق وبرهان حق على المجادلة بالحسنى وهو ما سار عليه الصحابة رضي الله عنهم والتابعون من بعدهم.
الموضوع السابق وكيل الأزهر خلال لقائه وفدا من قضاة باكستان: نعمل ليل نهار علي إصلاح ما أفسدته الجماعات المتطرفة
الموضوع التالي التواصل مع أهل الرسالات السماوية في الخطاب الإسلامي
طباعة
11659

أخبار متعلقة