د. عبدالفتاح العوارى.. عميد كلية أصول الدين بالقاهرة: تعدُّد الزوجات تشريع إلهى.. والأمر به للإباحة وليس الوجوب
أكد الدكتور عبدالفتاح العوارى، عميد كلية أصول الدين بالقاهرة، أن تعدد الزوجات ومشروعيته وضوابطه تشريع إلهى لا يعترض عليه أحد لكن هناك أناسا انطوت قلوبهم على حقد دفين تعودنا منهم الكذب والتدليس مسخرين أوقاتهم للهجوم على الأزهر وعلمائه لهذا سارعوا باجتزاء كلام فضيلة الإمام الأكبر حول تعدد الزوجات ليوهموا العامة أنه يقول بمنع التعدد وحاشاه أن يقول ذلك أو يعترض على تشريع الحكيم الخبير.. وبين العوارى ضوابط التعدد فى الإسلام والحكمة منه موضحاً معنى العدل المقصود فى آية التعدد.
خلال الفترة الأخيرة مارس المتربصون أساليبهم الملتوية حول تعدد الزوجات.. فما ردكم؟
اتفق علماء الإسلام على عدة اعتبارات حول تشريع التعدد مثل الأمر فى الآية الكريمة (وإن خفتم ألا تقسطوا فى اليتامى فانكحوا ما طاب لكم من النساء مثنى وثلاث ورباع فإن خفتم ألا تعدلوا فواحدة أو ما ملكت أيمانكم ذلك أدنى ألا تعولوا) للإباحة، ومن المقرر لدى الأصوليين أن المباح مأذون فى فعله مأذون فى تركه وإن شئت قل ما استوى فعله وتركه ومن ثم لو كان الأمر فى الآية للوجوب لأثم كل من لم يعدد، وهذا مما لم يقل به أحد سلفا وخلفا من علماء الأمة.
يعتبر أصحاب الأهواء أنه مادام الشخص قادرا على مصاريف الزواج والنفقة فهذا هو العدل.. ويذهبون بعيدا عن المقصود بالآية الكريمة..
المراد بالعدل هو العدل المادى المتعلق بجميع الماديات من نفقة وكسوة وسكنى وغير ذلك من مؤن النكاح وهذا العدل يستطيعه كل إنسان وليس المراد به العدل فى المحبة القلبية التى نفاها الله تعالى لعدم قدرة الإنسان عليها وذلك فى قوله عز اسمه (ولن تستطيعوا أن تعدلوا بين النساء ولو حرصتم فلا تميلوا كل الميل فتذروها كالمعلقة) فالعدل فى هذه الآية نفى الله الاستطاعة فيه نفيا مؤبدا ومن ثم لم يحاسب الله عليه لأن القلب بيد الله وكان النبى صلى الله عليه وسلم يقول (اللهم هذا قسمى فيما أملك فلا تؤاخذنى فيما لا أملك وأنت له تملك) ويقصد به رسول الله صلى الله عليه وسلم الميل القلبى فالحاصل أن العدل المادى الظاهر مستطاع ويحاسب الإنسان إذا لم يحققه بين زوجتيه أو زوجاته وأن العدل المنفى وهو محبة القلب ليس مستطاعا ولا يحاسب عليه الإنسان ذو الزوجات أو الزوجتين.
ما الحكمة من التقييد المذكور فى الآية؟
الشرط فى آخر الآية جاء مقيدا لما أفاده الأمر بالإباحة فى أولها (فإن خفتم ألا تعدلوا فواحدة أو ما ملكت أيمانكم ذلك أدنى ألا تعولوا) ومن المقرر عند العلماء أن المباح إذا ورد مقيدا بقيد فمراعاة القيد واجبة وبهذا يتضح المقصود من تشريع التعدد وتتجلى حكمة هذا التشريع المحكم حتى لا يتلاعب الناس بالشرع ويعتبروا الإباحة على إطلاقها فيسيئوا لشرع الله وأحكامه بسبب صنيعهم من الجمع بين أكثر من واحدة إضرارا بالزوجة الأولى مثلا ورغبة فى إرضاء نزواته مع عدم المبالاة بالواجبات المادية المنوطة بهذا الأمر والتى راعاها التشريع الحكيم حينما قيد الأمر المباح بتحقق العدل وعدم الخوف من الجور والظلم.
معنى هذا أن الشريعة لم تُبح التعدد على الإطلاق ولم تمنعه على الإطلاق.. فمتى يكون فيه نفع ومتى يعتريه ظلم؟
الزواج مع تحقق العدالة زواج صحيح وليس بباطل لاستيفاء أركانه وشروطه ولأن العقود تناط صحتها وفسادها بأمور متحققة واقعة عند العقد لا بأمور متوقعة فالشخص عند الزواج لا يتحقق ظلمه إنما يتحقق بعد ذلك وربما لا يتحقق فيجىء ما ليس فى الحسبان ويعدل ولكنه يكون آثما إذا ظلم كما يتحقق الإثم فى كل ظلم بل إثمه هنا مضاعف لأنه ظلم أولا وتزوج وهو يعتقد أنه يظلم فكان عاصيا من هذه الناحية ثانيا.. بهذا يتبين لكل منصف أن المسلك الذى سلكته شريعة القرآن هو المسلك المستقيم فلم تبحه بإطلاق ولم تمنعه بإطلاق وهذا هو الذى يتفق مع عموم الرسالة للناس فى كل الأجيال وفى كل الأجناس ويعد هذا سموا للشريعة التى لها هذا العموم والشمول ويكون فيها من المرونة والسعة ما يكون علاجا ناجعا لكل الأدواء.
البعض يقول إن التعدد فيه منافع وحلول اجتماعية لتفاقم مشاكل كالعنوسة وكثرة المطلقات والأرامل.. نود التوضيح؟
المعنى واضح كل الوضوح فى تعدد الزوجات لقد أبيح عدد يجد فيه الزوج القادر على إقامة العدل رغبته وقيد فى الإباحة بقيد لو شدد فيه لكان قريبا من المنع المطلق ولو أرخى فيه لكان بين ذلك قواما فالتعدد بضوابطه قد يكون علاجا اجتماعيا لنقص يوجد للأمة فقد يقل عدد الرجال الصالحين للزواج عن عدد الإناث بل إن التعدد بضوابطه وقيوده ليس فى مصلحة الرجل دائما وليس ضررا على المرأة دائما فقد يكون لها ضرورة لا بد منها ليحفظ لها اعتبارها إن التعدد العادل طريق سوى وإن النظر الفاحص ينتهى لا محالة إلى أن التعدد فى مصلحة المرأة، لأن أى امرأة لا تقدم على التزوج برجل متزوج بأخرى إلا إذا كانت على ثقة كاملة بان ذلك من مصلحتها أو أن الضرورة ألزمتها بذلك.
إذن بماذا تفسر ما اجتزأه المتربصون من كلام فضيلة الإمام الأكبر حول تشريع تعدد الزوجات؟
ما جاء على لسان فضيلة الإمام الأكبر شيخ الأزهر حفظه الله هو ما قرره علماؤنا وفقهاؤنا حول تشريع تعدد الزوجات حسب منطوق آيته الكريمة وما تفيده دلالة الأمر فى أولها من الإباحة له والذى لا يفيد الأمر فيها سواها وما يفيده آخر الآية بتقييد المباح الأول فأصبح القيد واجب المراعاة.. أقول بهذا الفهم السديد فسر شيخنا الإمام الطيب الآية الكريمة فكيف يدعى الغوغائيون أن الإمام يقول بمنع التعدد؟ وحاشاه أن يقول ذلك أو يعترض على تشريع الحكيم الخبير لكن لا يستغرب هذا الهجوم على شيخ الأزهر واجتزاء كلامه من أناس انطوت قلوبهم على حقد دفين على الأزهر وعلمائه وقد تعودنا منهم الكذب والتدليس دائما لكن عزاءنا أن الله لهم بالمرصاد.
مصطفى هنداوى
5057