جهود الدولة المصرية وراء خروج مصر من ترتيب الدول العشر الأولى المتأثرة بالإرهاب
جاء في مؤشر الإرهاب العالمي "Terrorism Global Index"، الذي ينشره سنويًّا مركز "السلام والاقتصاد" العالمي للدراسات، أن أفغانستان احتلت المرتبة الأولى للدول الأكثر تأثرًا بالإرهاب؛ إذ شهدت تصاعدًا كبيرًا في أعمال العنف مع استمرار حالة عدم الاستقرار السياسي.
وقال التقرير إن الدولة المصرية في عام 2018، شهدت تقدمًا ملحوظًا في مكافحة الإرهاب طبقًا للمؤشر؛ إذ خرجت من نطاق أكثر 10 دول متأثرة بالنشاط الإرهابي، بينما كانت في المرتبة التاسعة في 2017، وذلك بفضل الجهود الأمنية لدحر المتطرفين وتجفيف منابعهم.
صورة لترتيب الدول الأكثر تأثرًا بالإرهاب من التقرير الذي نشره مركز "السلام والاقتصاد" للدراسات
وأشار التقرير إلى أن مصر سجّلت ثالث أكبر نسبة تراجع من حيث أعداد الوفيات الناجمة عن العمليات الإرهابية، ما يجعلها واحدة من الدول التي شهدت أكبر نسبة تراجع في هذا الصدد، حيث تراجعت الوفيات فيها بنسبة 90% في عام واحد (2019)، جراء العمليات العسكرية التي تقودها الحكومة المصرية ضد العناصر الإرهابية في سيناء.
ويرى مرصد الأزهر أن خروج مصر من الدول العشر الأكثر تأثرًا بالإرهاب في العالم لم يأت من فراغ، وإنما كان نتيجة جهود مكثفة على الأصعدة السياسية والعسكرية والفكرية كافة.
فعلى الصعيد السياسي قادت مصرُ العديدَ من الخطوات السياسية والدبلوماسية التي من شأنها تجفيف منابع الإرهاب والقبض على قادته، ففي عام 2017 أعلن الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي أن "الشعب المصري العظيم يخوض الحربَ على الإرهاب نيابة عن العالَم"، كذلك تحدث عن جهود مصر وشعبها وجيشها وتضحياتهم العظيمة في حربهم على الإرهاب، وذلك في المنصات الدولية كافة بما فيها الأمم المتحدة.
وفي فبراير من عام 2015 أمر الرئيس المصري بتوجيه ضربات جوية على معاقل الإرهابيين في ليبيا ردًا على المجزرة التي ارتُكبت في حق عددٍ من المصريين هناك، وقال "إن هذه الأعمال الجبانة لن تنال من عزيمتنا، ومصر التى هزمت الإرهاب من قبل قادرة على دحره، فإن مصر لا تدافع عن نفسها فقط، بل تدافع عن الإنسانية بأكملها من هذا الخطر المحدق بها".
كما كان السيسي دائمًا داعمًا ومتابعًا عن كثبٍ، لكل ما تقوم به القوات المسلحة والشرطة المصرية من عمليات، وكان حريصًا على رفع روحهم المعنوية، والحديث عن بطولاتهم.
وقد غرد سيادته معقبًا على إحدى العمليات بقوله: "أتابع بفخر بطولات أبنائي من القوات المسلحة والشرطة لتطهير أرض مصر الغالية من العناصر الإرهابية".
ونتيجة لحادث مسجد "الروضة" الأليم في نوفمبر 2017، طلب الرئيس عبد الفتاح السيسي من الفريق محمد فريد حجازي، رئيس أركان حرب القوات المسلحة، واللواء مجدي عبد الغفار، وزير الداخلية، استخدام كل القوة من قبل القوات المسلحة والشرطة ضد الإرهاب حتى اقتلاعه من جذوره، وفي العام الماضي أطلقت القوات المسلحة الباسلة العملية الشاملة "سيناء 2018".
كذلك لعبت عناصر الاستخبارات الحربية والمخابرات العامة المصرية دورًا رائعًا في الحرب على الإرهاب إذ قامت بتحديد مواقع تجمعات العناصر الإرهابية بكل دقة؛ ليتمكن من تدميرها في عملية "الواحات" بالإضافة إلى تمركزات سيناء.
كذلك استطاعت صقور المخابرات المصرية توجيه ضربة قوية للإرهاب ولتنظيم القاعدة على وجه الخصوص بالنجاح في استرجاع الإرهابي الأخطر "هشام عشماوي" الذي كان بمثابة صندوق أسود ليس لتنظيم "المرابطون" الإرهابي الذي يقوده فحسب، بل للكثير من التنظيمات والخلايا الإرهابية الأخرى، حيث انضم "عشماوي" إلى العديد من التنظيمات المتطرفة كان أولها تنظيم "أنصار بيت المقدس"، وكان المسئول العسكري له ومهندس عملياته العسكرية.
وتشعبت من خلاله علاقة "عشماوي" بالعديد من الجماعات الإرهابية الأخرى من أبرزها "خلية مدينة نصر"، و"تنظيم الفرقان"، و"جماعة جند الله"، كذلك جماعة "أنصار الشريعة" القاعدية في "ليبيا"، و"جماعة المرابطين" التي أعلن "هشام عشماوي" إمارته عليها في بيان مسجل في شهر يوليو عام 2015، وهو البيان الذي ظهرت فيه مقتطفات من خطابات زعيم تنظيم القاعدة "أيمن الظواهري" كرمزية من "عشماوي" على انتمائه للقاعدة.
من أجل ذلك يرى مرصد الأزهر أن تسلم المخابرات المصرية لـ "هشام عشماوي" كان بمثابة استلام كنز معلوماتي خطير عن جميع هذه التنظيمات والخلايا الإرهابية سالفة الذكر، ومصادر تمويلها وتسليحها، وأماكن تواجدها، وأيدولوجيتها القتالية، وأوجه الشبه والاختلاف بينها، وأبرز الأسماء التي تقودها وجنسياتها، وغيرها من الأمور العديدة التي من شأنها مساعدة مصر بقوة وإيجابية في الحرب القوية على الإرهاب.
أما عن الجهود التي قام بها أفراد الجيش والشرطة فهي أكثر من أن يحويها هذا المقال، فقد سطّر الأحياء والشهداء بطولات تُكتب بمدادٍ من نور لعل من أشهرها ما حدث في يوليو 2017 من استشهاد العقيد البطل "أحمد المنسي"، قائد الكتيبة 103 صاعقة، وأفراد كتيبته العظماء، حين تمسكوا بجسامين زملائهم الشهداء الذين سقطوا في هذا الهجوم.
ووفقًا لدراسة قام بها مركز مركز الأهرام للدراسات السياسية والإستراتيجية، فإن عام 2015 قد شهد أكبر نسبة من عدد العمليات الإرهابية، خصوصاً في الأشهر الثلاثة الأولى منه، فقد وقع في شهر يناير 124 عملية إرهابية، ثم حدث انخفاض طفيف لتصل إلى 105 في شهر فبراير، ثم بلغت ذروتها في مارس بواقع 125 عملية، بينما انخفض عدد العمليات بشكل تدريجي.
واستمر منحنى عدد عمليات العنف في التراجع خلال النصف الأول من عام 2016، ثم ارتفع معدل العمليات خلال الربع الأخير من العام نفسه، حيث بلغ عدد العمليات الإرهابية 104 عمليات.
واستمر الانخفاض في عامي 2017، 2018 ليُكلل بالنجاح الذي نشهده اليوم وخروج مصر من الدول العشرة الأكثر تأثرًا بالإرهاب، وهذا كله لم يأت من فراغ بل ببطولات وتضحيات.
أما فيما يخص المواجهة الفكرية فقد سعت المؤسسة الدينية ممثلة في الأزهر الشريف والكنيسة المصرية بكل ما أوتيت من قوة، للتصدى لمحاولات الجماعات الإرهابية في إفساد العلاقة بين المسلمين والمسيحين عن طريق القيام بعمليات إرهابية داخل المساجد والكنائس.
أما الأزهر الشريف وإمامه الأكبر الأستاذ الدكتور "أحمد الطيب"، فقام بالعديد من الخطوات في مكافحة التطرف على الصعيدين المحلي والدولي.
فعلى الصعيد المحلي تصدى فضيلته لمحاولات الإيقاع بين عنصري الأمة عن طريق إنشاء بيت العائلة المصري، تحت قيادته وقيادة البابا "تواضروس"، وكذلك أعلن فضيلته للعالم كله "إعلان الأزهر للمواطنة والعيش المشترك" الذي رسخ فيه لقيمة المواطنة.
وحذر الإمام الأكبر من استخدام مصطلح "الأقلية"، وأوضح فيه إدراكه الكامل للمخاطر التي تعترض تجربة التعددية الدينية الفريدة في مجتمعاتنا ومجالنا الحضاري، مؤكدًا أن الإرادة المصرية سواء الإسلامية أو المسيحية مصممة على العيش المشترك، ورفض التطرف، وإدانة العنف والجرائم التي تُرتكب باسم الدين وهو منها براء.
كما عقد الأزهر خلال السنوات الأخيرة العديدَ من المؤتمرات الدولية التي كان الهدفُ منها مكافحة التطرف وترسيخ القيم الإنسانية.
من أهم هذه المؤتمرات، "مؤتمر الأزهر العالمي لمواجهة التطرف والإرهاب"، و"مؤتمر الأزهر العالمي للسلام" والذي كان بحضور البابا "فرنسيس" بابا الفاتيكان، وعُقد في القاهرة عام 2017، ومؤتمري "الحرية والمواطنة.... التنوع والتكامل"، و"الإسلام والغرب.. التنوع والتكامل".
وعلى الصعيد المحلي أيضًا، أسس فضيلة الإمام "مركز الأزهر العالمي للرصد والفتوى الإليكترونية والترجمة"، والهدف الأول من تأسيس هذا المركز هو مكافحة التطرف، والرد على من ينتهجون العنفَ منهجًا في ساحة الفكر الديني.
أما على الصعيد الدولي فقد طاف فضيلة الإمام الأكبر العديد من الدول في قارات العالم المختلفة، وحضر العديد من المؤتمرات، وفي جميع لقاءاته كان نبذ العنف والإرهاب، ونفيهما عن الإسلام هو الهدف الرئيسي له.
كما كلل فضيلته هذا العام جهوده الخارجية بتوقيع وثيقة "الأخوة الإنسانية" مع البابا "فرانسيس" بابا الفاتيكان، والتي تهدف إلى ترسيخ قيمة الأخوة الإنسانية وتُعلي من شأنها، وتدعو إلى الإعلاء من قيمة الإنسان، والمساواة بين البشر، وتدعو إلى نبذ العنف وإرساء قيم السلام و الحوار والتعايش المشترك.
ومرصد الأزهر إذ يثمِّن جهود الحكومة المصرية في مواجهة الإرهاب والقضاء عليه فإنه يوصي بالمزيد من المواجهة وتجفيف المنابع التي تمد التنظيمات الإرهابية بالأموال والسلاح والأشخاص، مؤكدًا على أنه ماض في دوره في المواجهة الفكرية التي كلف بها مفندًا للأفكار المتطرفة، كاشفًا للزيف والخداع الذي تنتهجه جماعات التطرف والإرهاب.
مرصد الأزهر
1142