القوات المسلحة المصرية.. حصن الأمة ودرعها الواقي
الجندية هي حصن الأمة ودرعها الواقي الذي يحمي الدين والوطن ضد كل من تسول له نفسه الاعتداء عليهما. وفي توجيهات الإسلام، هي نوع من الجهاد في سبيل الله عز وجل، الجهاد الحقيقي بضوابطه الشرعية كما وردت في الكتاب والسنة، وليس الجهاد المغلوط الذي تدعيه التنظيمات الإرهابية لصبغة أعمالها الإجرامية وأهدافها السياسية بصبغة إسلامية، والإسلام منها براء.
وقد أثبتت السنوات الأخيرة أن الجندية وقوة الجيوش النظامية هما من أهم أسباب تقدم الأمم والأوطان، وتمتعها بالأمن والأمان، فليست الحروب فقط هي التي تحتاج إلى القوة، بل ربما كان السلام أحوج إلى القوة منها للحفاظ عليه، وجعل أي معتدٍ يفكر ألف مرة قبل الاعتداء على دولة لديها جيش قوي، وعقيدة قتالية قائمة على السعي لنيل النصر أو الشهادة، يقول أمير الشعراء:
وَمِن شَرَفِ الأَوطانِ أَلّا يَفوتَها حُسامٌ مُعِزٌّ أَو يَراعٌ مُهَذَّبُ
وقد سعت التنظيمات المتطرفة في تأسيس دولتها المزعومة إلى محاربة الجنود الذين يقفون لها بالمرصاد، ويضحون بأرواحهم في سبيل أوطانهم، ويمثلون حائط صد منيع أمامهم، فهاجموا بعض المعسكرات والمراكز الأمنية، وأصدروا العديد من الفتاوى التي تكفر هؤلاء الجنود وتدعو إلى قتالهم، زاعمين أن الجنود كفار تاركون شرع الله ممتنعون عن كثير من شعائر الإسلام ومانعون الناس عن إقامتها في مشهد يتعارض مع ما نراه رأي العين، ومع تعاليم الإسلام. والمتأمل في شهادات المقبوض عليهم في جرائم إرهابية في أماكن مختلفة من العالم سيرى ذلك. كما ذكر نائب زعيم تنظيم داعش الإرهابي في العراق المدعو (حجي حامد) بعدما اعتقلته المخابرات العراقية أنه التحق بحركة (التوحيد والجهاد) - النواة الأولى لتنظيم داعش الإرهابي - التي تدعو لقتال الجيش والشرطة العراقية بعد صدور توجيه من (أبو مصعب الزرقاوي) بتكفير كل مواطن التحق بالأجهزة الأمنية العراقية أو يروم ذلك باعتباره مرتدًّا وخائنًا ويحل قتله([۱])، وكذلك ما حدث في مذبحة رفح الثانية التي راح ضحيتها 25 مجندًا في أثناء عودتهم إلى معسكر الأحراش بمدينة رفح، حيث تم تقييدهم وإطلاق الرصاص عليهم من قبل جماعة من المتطرفين المنضمين إلى تنظيم مسلح يعتنق أفكار تنظيم القاعدة القائمة على تكفير الحاكم وشرعية الخروج عليه بدعوى عدم تطبيق الشريعة الإسلامية ([2]).
والحقيقة أن هؤلاء المتطرفين يعمدون إلى تفسير القرآن الكريم وفقًا لأهوائهم وأهدافهم البغيضة، ويستغلون جهل الشباب المنضم إليهم، وعزوفهم عن البحث في الأحكام الشرعية، والتحقق مما يسمعون من فتاوى وأحكام، فيمزجون لهم السم بالعسل ويأتون بآيات من القرآن الكريم ويخرجونها عن سياقها الذي وردت فيه ويفسرونها حسب معتقداتهم الباطلة فيلبسون على الشباب دينهم، ويقنعونهم بالباطل في لباس الحق، لتبرير جرائمهم، وتحقيق أهدافهم ومآربهم الشخصية.
إن الجندية في الإسلام لها مكانة كبيرة وشرف عظيم، حيث أضاف الله سبحانه وتعالى تسمية الجنود إلى نفسه الكريمة إضافة تشريف وتكريم عندما قال سبحانه وتعالى: "وَإِنَّ جُندَنَا لَهُمُ الْغَالِبُونَ"([3])، وكان الصحابة يسمون "جنود الله" و"جنود الإسلام" و"جنود المسلمين"، فلا أعلى من مزيتهم، ولا أرفع من منزلتهم، لكونهم حماة الدين والوطن"([4]).
وقد أمرنا الله سبحانه وتعالى بإعداد وتجهيز كل وسائل وأنواع القوة الممكنة (العلمية والعسكرية والاقتصادية والسياسية و ...إلخ) دون تحديد لنوع منها فقال تعالى: ﴿وَأَعِدُّوا لَهُم مَّا اسْتَطَعْتُم مِّن قُوَّةٍ وَمِن ربَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ وَآخَرِينَ مِن دُونِهِمْ لاَ تَعْلَمُونَهُمُ اللَّهُ يَعْلَمُهُمْ وَمَا تُنفِقُواْ مِن شَيْءٍ فِي سَبِيلِ اللَّهِ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنتُمْ لاَ تُظْلَمُونَ﴾([5]). وبين سبحانه وتعالى في هذه الآية الغرض من هذا الأمر وهو في المقام الأول الحفاظ على السلام وزجر ومنع وإرهاب كل من يفكر أو تسول له نفسه بالاعتداء على العرض والوطن سواء من الأعداء المعلومين أو غير المعلومين. وهذه النقطة الأخيرة - التي نصت عليها الآية الكريمة في قوله تعالى: ﴿وَآخَرِينَ مِن دُونِهِمْ لاَ تَعْلَمُونَهُمُ اللَّهُ يَعْلَمُهُمْ﴾ - تؤكد على أن الإرهاب المذكور ليس معناه استخدام القوة فى الاعتداء على الآخرين، وإلا فلنسأل أنفسنا كيف يمكننا استخدام القوة ضد أعداء لا نعلمهم؟!!!
وقد أكد فخامة السيد الرئيس عبد الفتاح السيسي في كلمته للشعب المصري في ذكرى تحرير سيناء هذا العام على أهمية (تعظيم قدرات القوى الشاملة للدولة) قائلًا: "شعب مصر العظيم ... في ظل أوضاع إقليمية ودولية بالغة التعقيد يأتي تعظيم قدرات القوى الشاملة للدولة على رأس أولويات الدولة المصرية التي استشرفت آفاق المستقبل برؤية عميقة للأحداث ونظرة ثاقبة للمتغيرات والتطورات الدولية فثبت لها يقينًا، أنه من أراد السلام فعليه بامتلاك القوة اللازمة، القادرة على الحفاظ عليه."
ولا شك أن القوة العسكرية وتدريب الجنود وإعدادهم وتجهيزهم من أنواع القوة المطلوبة والضرورية فهي سبب من أسباب تحقيق الأمن والأمان على المستويين الداخلي والخارجي، فعلى المستوى الداخلي تساهم في منع الجرائم وتطبيق القوانين لتحقيق السلم والأمن المجتمعي في جميع المجالات وتطهير المجتمع من المفسدين الذين يعملون على إثارة الفوضى وزعزعة الاستقرار لتحقيق مكاسب ومآرب شخصية، وهي بذلك تحافظ على تماسك المجتمع وتآزره من خلال القضاء على كل ما من شأنه نشر الفتنة بين أطيافه.
وعلى المستوى الخارجي، يساهم الجنود مدعومين بالقوة العسكرية في حماية الحدود دفاعًا عن الدين والوطن ومواجهة أي معتد يتربص بهم ليحقق أهدافه ومطامعه. وهؤلاء هم المرابطون الذين جعل الإسلام لهم ثوابًا وفضلًا كبيرًا لأنهم بذلوا نفوسهم، وتحملوا مشاق الغربة عن أهلهم وذويهم، من أجل إعزاز دين الله والدفاع عن أوطانهم، عملًا بقوله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اصْبِرُوا وَصَابِرُوا وَرَابِطُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ﴾، وقد ذكر الإمام الشوكاني في تفسيره أن "(رابطوا) هنا أي أقيموا في الثغور رابطين خيلكم فيها، كما يربطها أعداؤكم وهذا قول جمهور المفسرين"([6])..
والمرابطة في سبيل الله تعني حراسة حدود البلاد وحمايتها من العدو وصده لو أقدم وهى نوع من الجهاد في سبيل الله، ولها أجر كبير عند الله تعالى فاليوم الذي يقضيه الجندى مرابطًا خير له عند ربه من صيام شهر وقيامه تطوعًا، ليس هذا فحسب بل إن أجر عمله وثوابه مستمر لا ينقطع بموته، ويرزق من الجنة لأنه من الشهداء الأحياء عند ربهم، كما يأمن أيضًا من فتنة القبر، وذلك بنص حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي يقول فيه: «رباط يوم وليلة خير من صيام شهر وقيامه، وإن مات جرى عليه عمله الذي كان يعمل، وأُجْرِيَ عليه رزقه، وأَمِنَ الفَتَّانَ» ([7]).
وهكذا نجد أن الإسلام رفع من مكانة الجندية وكرم هؤلاء الجنود أحياءً وأمواتًا فشرَّفَ منزلتهم في الدنيا ورفَعَ مكانتهم بين العباد، كما جعل الجنة منزلتهم في الآخرة نظير ما قدموه لوطنهم ودينهم من تضحية بأرواحهم لحفظ تراب أوطانهم ضد كل من تسول له نفسه نشر الظلم أو الاعتداء على المواطنين.
وأخيرًا، يتوجه مرصد الأزهر بالتحية والتقدير والعرفان بالجميل للجيش المصري العظيم ورجاله البواسل المرابطين على كل شبر من أرض الوطن للدفاع عنه والحفاظ عليه وعلى أمنه واستقراره، مؤكدًا أن أعداء الدين والوطن في أي بلد من البلاد الإسلامية يحاولون جاهدين تحقيق أهدافهم الخبيثة، وتدمير هذه البلاد ببث روح الفرقة بين الجنود سواء عن طريق الفتاوى التي لا أصل لها في صحيح الدين لزعزعة إيمانهم بواجبهم، أو عن طريق العمليات الإرهابية التي تستهدفهم لنشر الرعب والفزع في نفوسهم، ولكن هيهات لهم ما أرادو إذا ما تفقه الشباب في دينهم، وأخذوا أحكامه من رجاله وثقاته، وأيضًا إذا ما اعتصموا بحبل الله جميعًا، ونبذوا كل خلاف، فالاتحاد هو القوة الحقيقية، لقول الله تعالى: ﴿وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا ۚ وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُم بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا وَكُنتُمْ عَلَىٰ شَفَا حُفْرَةٍ مِّنَ النَّارِ فَأَنقَذَكُم مِّنْهَا ۗ كَذَٰلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ﴾ ([8]). ولنا في التاريخ عبرة وعظة، ولله در القائل:
تأبى الرِّماحُ إذا اجتمعنَّ تكسُّرًا .. وإذا افتــــرقَن تكــسَّرتْ آحادا
]1[- [أر تي أونلاين 14-11-2021م]
]2[- [ جريدة الوطن 10 ديسمبر 2016م]
[3[- [سورة الصافات: آية 173]
]4[- الجندية، عموم نفعها وحاجة المجتمع لها - عبد الله بن زيد آل محمود، ط2، ج3،قطر، مطابع الدوحة،ص20
[5]- [سورة الأنفال آية60]
[6]- (الشوكاني: فتح القدير، ص265)
[7]- [رواه مسلم]
[8]- [سورة آل عمران: آية 103]
وحدة رصد اللغة الفارسية
2538