مأساة مسلمى الروهينجا

 

"الشذوذ" فساد أخلاقي وانحراف سلوكي وليس حرية شخصية
Sameh Eledwy
/ الأبواب: قضايا أخرى

"الشذوذ" فساد أخلاقي وانحراف سلوكي وليس حرية شخصية

     اقترن التقدم العلمي والتكنولوجي والمادي خلال العقود الأخيرة، بتراجع وانهيار منظومة القيم الخلقية والمبادئ الإنسانية، باعتبارها أحد العوامل الرئيسية في الاستقرار والأمن المجتمعي. وللأسف هناك جهود مكثفة تهدف إلى تطبيع الشذوذ بين المجتمعات، وترويج الانحلال الأخلاقي تحت مسميات جذابة مثل: "احترام الحريات الفردية" و"القضاء على التمييز" وغيرها من الشعارات البراقة المدعومة بظهير إعلامي ودعم مالي غير محدود. وسنتناول في هذا المقال موقف الدين من هذه الكارثة التي تخالف الفطرة الإنسانية، والرد على شبهات من يروج لمثل هذه السلوكيات، مع عرض التداعيات السلبية الاجتماعية والنفسية والأخلاقية والصحية لانتشار الشذوذ الذي يُعد نوعًا من التطرف السلوكي.

موقف الإسلام:
خلق الله البشر مختلفين في النوع، قال تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا} (الحجرات، 13)، ثم كلَّف الإنسان بتعمير الكون وبنائه، وشرع له الزواج وجعله الطريق الوحيد والمثالي لحفظ النوع الإنساني، وبقاء النسل وإعمار الحياة وبناء الحضارات، ونشر السلام في المجتمع الإنساني، فقال (صلى الله عليه وسلم): "من أحب فطرتي فليستن بسنتي، ومن سنتي النكاح". (السنن الكبرى للبيهقي، رقم الحديث/١٣٤٥١). وقال: " يا معشر الشباب من استطاع منكم الباءَةَ فليتزوج، فإنه أغضُّ للبصر وأحصنُ للفرج، ومن لم يستطع فعليه بالصوم، فإنه له وِجاءٌ"(صحيح البخاري، رقم الحديث/ 4777).
أما الخروج عن الفطرة وانتشار دعوات الترويج لما يخالف ذلك، والتي وصلت في إحدى الدول إلى إصدار القرار بمنع استخدام كلمتي «الأب» و«الأم» في استمارات بعض المدارس بدعوى القضاء على التمييز؛ فهو من قبيل تقويض للمنظومة الخلقية، وهدم لنظام الأسرة التي هي عماد المجتمع وقوامه، وما يترتب على ذلك من تفكك مجتمعي وزيادة معدلات الجرائم والانحلال الخلقي.
وكان أول من ابتدع تلك الفاحشة النكراء هم قوم لوط، فقال تعالى: {وَلُوطًا إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ أَتَأْتُونَ الْفَاحِشَةَ مَا سَبَقَكُمْ بِهَا مِنْ أَحَدٍ مِنَ الْعَالَمِينَ} (الأعراف، 80) وقد عاقبهم الله بأقسى عقوبة جزاء على فعلهم، فقال تعالى: {فَلَمَّا جَاءَ أَمْرُنَا جَعَلْنَا عَالِيَهَا سَافِلَهَا، وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهَا حِجَارَةً مِّن سِجِّيلٍ مَّنضُودٍ} (هود، 82).
يدعي البعض أن الإسلام لم يُحرِّم هذه الفاحشة وأن الله عاقب قوم لوط فقط بسبب قطعهم الطرق، وهذا القول مردود عليهم، فقد استنكر القرآن الكريم تلك الجريمة الخلقية ووصف فاعليها بمجاوزة الحد والعدوان في قوله تعالى: {أَتَأْتُونَ الذُّكْرَانَ مِنَ الْعَالَمِينَ * وَتَذَرُونَ مَا خَلَقَ لَكُمْ رَبُّكُمْ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ عَادُونَ} (الشعراء)، كما ذكر الطبري في تفسيره لقوله تعالى: {وَنَجَّيْنَاهُ مِنَ الْقَرْيَةِ الَّتِي كَانَتْ تَعْمَلُ الْخَبَائِثَ إِنَّهُمْ كَانُوا قَوْمَ سَوْءٍ فَاسِقِينَ} (الأنبياء:74) عددًا من تلك الخبائث أبرزها إتيان الرجال وصرف الغريزة في غير محلها (الطبري، تفسير الطبري، ص 318، ج16، ط1، 2001م، دار هجر للطباعة والنشر والإعلان)، هذا إضافة إلى العديد من الأحاديث النبوية التي تنهى عن هذا الفعل المستهجن والمنافي للطبيعة، فقال "صلى الله عليه وسلم": «لَعَنَ اللَّهُ مَنْ عَمِلَ عَمَلَ قَوْمِ لُوطٍ» (السنن الكبرى للنسائي، 7297).
الآثار المترتبة على انتشار هذه الأفعال المخالفة للفطرة:
ولأن التحريم إنما أساسه الخبث والضرر في كل ما حرم من شيء أو عين، أو قول أو فعل، أو عادة أو معاملة (جاد الحق علي جاد الحق، سمات الحلال والحرام، ص7)، فقد حُرم الشذوذ؛ لأنه خالص الضرر، ويترتب على انتشاره من المفاسد والمخاطر ما لا يُحصى، ومنها:
- التحلل من الأخلاق وانهيار المجتمعات:
لا ينكر عاقل تأثير المنظومة الأخلاقية على ارتقاء المجتمعات البشرية، والحد من الجريمة، وانتشار السلام والأمن بين أفراد المجتمع، في حين يفتح الانحلال الخلقي الباب أمام كل أشكال الفساد التي تهدد بانهيار المجتمع حضاريًّا، يقول جوستاف لوبون: "إذا ما بحثنا في الأسباب التي أدت بالتتابع إلى انهيار الأمم، وجدنا أن العامل الأساسي في سقوطها هو: تغير مزاجها النفسي تغيرًا نشـأ عن انحطاط أخلاقها، ولست أرى أمة واحدة زالت بفعل انحطاط ذكائها"، ويقول عن انهيار الإمبراطورية الرومانية أيضًا: "ولكن رومة كانت قد خسرت العنصر الأساسي الذي لا يقوم مقامه أي نمو في الذكاء، كانت قد خسرت الأخلاق" (جوستاف لوبون، السنن النفسية لتطور الأمم، ترجمة/ عادل زعيتر، دار المعارف، مصر،1950، ص171، 173). لا سيما يساهم هكذا سلوك في ضعف اقتصادي، وانتشار المخدرات والمسكرات بحسب دراسات علمية مختلفة.
شيوع الأمراض الجسدية والنفسية:
هناك ارتباط بين الشذوذ وشيوع العديد من الأمراض مثل الإيدز والسيلان والزهري، وقد أقرت منظمة الصحة العالمية مؤخرًا بانتقال فيروس جدري القرود عبر هذا النوع المنحرف من العلاقات. وقد بين النبي (صلى الله عليه وسلم) أن انتشار الفاحشة سبب لانتشار الأوبئة والأمراض، فقال (صلى الله عليه وسلم): "يا معشر المهاجرين، خمسٌ إذا ابتليتم بهن وأعوذ بالله أن تدركوهن: لم تظهر الفاحشة في قوم قطُّ حتى يعلنوا بها إلا فشا فيهم الطاعون والأوجاع التي لم تكن في أسلافهم الذين مضوا". (سنن ابن ماجه، رقم الحديث/4018).
ولا شك أن البشرية جمعاء تدفع ثمن أي تدهور في الأخلاق، فالأمراض التي تنتج عن العلاقات المنحرفة والشاذة تنتقل وتصيب الجميع بلا استثناء، لذا فهي ليست حرية شخصية، بل فساد فطري يستلزم اتحاد الجميع ضده وإلا وقع الضرر على الجميع، وكما قال النبي (ﷺ): "مَثَلُ القَائِمِ في حُدودِ اللَّه، والْوَاقِعِ فِيهَا كَمَثَلِ قَومٍ اسْتَهَمُوا عَلَى سفينةٍ، فصارَ بعضُهم أعلاهَا، وبعضُهم أسفلَها، وكانَ الذينَ في أَسْفَلِهَا إِذَا اسْتَقَوْا مِنَ الماءِ مَرُّوا عَلَى مَنْ فَوْقَهُمْ، فَقَالُوا: لَوْ أَنَّا خَرَقْنَا في نَصيبِنا خَرْقًا وَلَمْ نُؤْذِ مَنْ فَوْقَنَا. فَإِنْ تَرَكُوهُمْ وَمَا أَرادُوا هَلكُوا جَمِيعًا، وإِنْ أَخَذُوا عَلَى أَيْدِيهِم نَجَوْا ونَجَوْا جَمِيعًا" (صحيح البخاري، رقم الحديث/ ٢٣٦١ ).
تشير بعض الأبحاث إلى أن الشواذ أكثر عرضة للإصابة بمستويات متقدمة من الاكتئاب بحوالي (5) مرات مقارنة بغيرهم، وأنهم عرضة للإقدام على إيذاء النفس بنسبة 54% مقابل 14% مقارنةً بغيرهم، وأن معدلات رضاهم عن الحياة أقل من نظرائهم (10% فقط مقابل 34%).
ولذا نؤكد أن الاعتداء على المبادئ الأخلاقية وتطبيع الشذوذ جريمة في حق الإنسانية وفساد أخلاقي وانحراف سلوكي، وهدم لمنظومة الأسرة، وانتهاك للسجية البشرية تلك التي جعلت الوليد بن عبدالملك يستغرب هذا السلوك، ويقول: " لولا أن الله تعالى ذكر آل لوط في القرآن ما ظننت أن أحدًا يفعل هذا" (ابن كثير، البداية والنهاية، ج12، ص 608، ط1، 1997م)، وأنه ليس حرية شخصية؛ لأن ضرره يتعدى فاعله إلى المجتمع بأسره كما رأينا، ومن ثم لا بد من التكاتف لترسيخ الأخلاق وحفظ الأعراض فهي الضمان الوحيد لمواصلة السير قدمًا نحو التقدم.

وحدة رصد اللغة الفارسية

الموضوع السابق ألعاب إلكترونية تغتال براءة الأطفال وترسخ للعنف والكراهية
الموضوع التالي بدعوى مناهضة الإجهاض .. جيش الرب أحد وجوه الإرهاب باسم الدين
طباعة
537

أخبار متعلقة