مأساة مسلمى الروهينجا

 

وجداننا في عصر الرقمنة والتكنولوجيا الحديثة: كيف تأثرت المشاعر والعلاقات بالتطور التكنولوجي؟!
Sameh Eledwy
/ الأبواب: قضــايا أخرى

وجداننا في عصر الرقمنة والتكنولوجيا الحديثة: كيف تأثرت المشاعر والعلاقات بالتطور التكنولوجي؟!

     شهد العالم في العقود القريبة الماضية تطورًا هائلًا في التكنولوجيا الرقمية؛ إذ أصبحت الأدوات الذكية ووسائل التواصل الاجتماعي جزءًا لا يتجزأ من حياتنا اليومية، وهذه الابتكارات لم تغير فقط من كيفية تواصلنا وتفاعلنا مع العالم، بل أثرت تأثيرًا عميقًا في عواطفنا وعلاقاتنا الاجتماعية. ومع تقدم العصر الرقمي، أصبح من الضروري فهم تأثيرات هذه التكنولوجيا في البشر ووجدانهم، وكيف تؤثر الأجهزة الذكية والتطبيقات الرقمية في مشاعرنا وسلوكياتنا؟ وكيف تعيد تشكيل علاقاتنا الشخصية والاجتماعية؟

لا شك أن التطور التكنولوجي بما يشمله من تطبيقات وبرامج ووسائل اتصال حديثة أحدث تغييرات جذرية في طرق التواصل والتعبير بين البشر. ولعل أحد أبرز الأمثلة على تأثير التكنولوجيا في عواطفنا وعلاقاتنا يتمثل في المقارنة بين استجابة الناس للحوادث والأزمات في الماضي والحاضر، ففي السابق كان الناس يتصرفون على الفور بتعاطف ويهرعون لتقديم المساعدة عند وقوع حادث في الأماكن العامة. أما اليوم، ومع تقدم التكنولوجيا الرقمية وانتشار الهواتف الذكية، فقد تغيرت الأمور تغيرًا ملحوظًا... فبدلًا من الهروع لمساعدة المصابين، نجد كثيرًا يوثقون الحادث بهواتفهم! وكأننا تحولنا إلى آليات ترصد الحدث وتنقل الصورة. هذا السلوك ينم عن تحول كبير في القيم والأولويات داخل المجتمع. ولكن من الإنصاف القول: إن التكنولوجيا ليست بهذا الشر؛ فالأمر متوقف على الاستخدام وسبل توظيف التكنولوجيا لخدمة البشر - سواء على مستوى الجانب المادي أو الوجداني.

في ما يلي عرض لبعض التأثيرات الإيجابية للتكنولوجيا في الوجدان والعلاقات الاجتماعية للبشر:

(1) تسهيل عملية التواصل الفوري مع الأصدقاء والعائلة، بقطع النظر عن البعد الجغرافي، إذ يمكن للرسائل النصية ومكالمات الفيديو تعزيز الروابط الاجتماعية وتقديم الدعم العاطفي السريع بين مجموعات من البشر تفصل بينهم مسافات وحدود دول وربما قارات.

(2) الإسهام في الوصول إلى معلومات وفيرة، بما يخدم رفع الوعي والمعرفة ويساعد في اتخاذ قرارات مستنيرة.

(3) إتاحة وسائل التواصل الاجتماعي والتطبيقات الرقمية للأشخاص التواصل مع عدد أكبر من الأفراد حول العالم، ما يفتح الباب لتكوين صداقات وعلاقات جديدة، ويسهم في تحقيق التكامل الإنساني والتواصل الإيجابي.

(4) توفير المنصات الرقمية وسيلة للتعبير عن المشاعر والأفكار، بما يمكن أن يعزز التفاهم والتعاطف بين الأفراد، ولكن باعتبارها وسيلة سريعة للتعبير دون الاستغناء عن التواصل المباشر كلما كان ذلك ممكنًا.

(5) تمكن التكنولوجيا الأفراد من التفاعل مع أشخاص من ثقافات وخلفيات مختلفة، ما يعزز من فرص التفاهم والتسامح ويثري التجارب الشخصية، ويساعد على التفكير التكاملي لمواجهة التحديات والتهديدات.

(6) سرعة التواصل، خصوصًا عند الإبلاغ عن حوادث أو طوارئ عامة أو خاصة.

(7) تيسير الحياة اليومية من حيث استيفاء مطلوبات العمل أو البيت والأسرة.

(8) تقريب التعامل المؤسسي إلى الأفراد، ومن أظهر الأمثلة ما بات يسمى العمليات المصرفية الإلكترونية.

أما التأثيرات السلبية للتكنولوجيا في الوجدان والعلاقات الاجتماعية للبشر فلها جوانب، منها:

(1) العزلة الاجتماعية: من الممكن أن تؤدي كثرة استخدام التكنولوجيا إلى قلة التفاعل الشخصي، ما يزيد في شعور الأفراد بالعزلة والوحدة. فعلى الرغم من سهولة التواصل عبر الإنترنت، يمكن أن يشعر بعض الأشخاص بالعزلة عند قضاء وقت طويل في التفاعل مع الشاشات بدلًا من التواصل الشخصي؛ فالانعزال الرقمي قد يؤثر في جودة العلاقات، ويزيد في الشعور بالوحدة. وكم من الأسر أصبحت تعاني من هذه المعضلة داخل البيت الواحد.

(2) ضعف التواصل المباشر: إذ قد تتسبب كثرة الاعتماد على التواصل الرقمي في إضعاف القدرة على التواصل الشخصي المباشر، ويمكن أن يكون التواصل عبر الرسائل النصية أو وسائل التواصل الاجتماعي أقل عمقًا وتعقيدًا من التواصل وجهًا لوجه، ما يؤثر في جودة العلاقات، ويقلل من التعاطف والإحساس بالآخرين، فالرسائل النصية ووسائل التواصل الاجتماعي تفتقر إلى اللمسات الإنسانية والاتصال الوجهي؛ إذ تنهض تعبيرات الوجه ونبرة الصوت بدور مهم في التواصل الفعَّال، ولذا فإن التفاعل عبر النصوص فقط قد يؤدي إلى سوء فهم أو نقص في التعاطف.

(3) التوتر والقلق: يزيد إدمان التكنولوجيا واستخدامها المفرط في مستويات التوتر والقلق، خصوصًا بسبب الضغوط المرتبطة بوسائل التواصل الاجتماعي وما تحمله من أخبار وظواهر وأحداث.

(4) التشتت وضعف الانتباه: يؤثر الاعتماد الكامل على التكنولوجيا في القدرة على التركيز والانتباه، وخاصة عند استخدام الوسائل التكنولوجية لفترات طويلة، ما قد يؤثر سلبًا على الأداء في الأنشطة اليومية والعلاقات.

(5) التأثير في الصحة النفسية: من أكبر الأضرار الناجمة عن الاستخدام المفرط للوسائل التكنولوجية قلة النوم واضطراب الساعة البيولوجية للإنسان نتيجة لاستخدام الأجهزة قبل النوم، ما قد ينتج عنه نوم متقطع، أو عدم الحصول على القسط الكافي من النوم، الأمر الذي يتسبب في القلق والاضطرابات النفسية، ويهدد الحياة الاجتماعية والعاطفية.

(6) تنامي ظاهرة المشاحنات وسوء التفاهم: قد تؤدي المناقشات والمشاحنات عبر وسائل التواصل الاجتماعي إلى توترات وصراعات بين الأفراد؛ فالصراعات الرقمية قد تكون أكثر حدة نظرًا لغياب الحوار المباشر والقدرة على فهم حقيقة المشاعر، ما يسهم في تنامي الخصومات والتنافر بين أفراد المجتمع الواحد، بل ربما بين أفراد الأسرة الواحدة؛ الزوج وزوجته، الأبناء والوالدين أو أحدهما، الإخوة، الأخوات وهكذا.

بناء على ما سبق، يمكن تقديم مجموعة من التوصيات للحد من التأثيرات السلبية للتكنولوجيا في الوجدان والعلاقات الاجتماعية والأسرية، وذلك كما يلي:

أولًا: من الضروري تحديد أوقات محددة لاستخدام التكنولوجيا، وتخصيص أوقات خالية من الشاشات لتعزيز التفاعل الشخصي والعائلي. ويمكن وضع قواعد واضحة وصارمة بشأن أوقات محددة لاستخدام الأجهزة الإلكترونية، وأوقات أخرى تستبعد فيها هذه الوسائل ليكون التواصل من خلال الأنشطة الشخصية المباشرة، ما يساعد على تعزيز الروابط الأسرية، وتجنب الانغماس المفرط في العالم الرقمي.

ثانيًا: يجب تعزيز التواصل الشخصي من خلال تنظيم الأنشطة العائلية المشتركة التي لا تتضمن استخدام التكنولوجيا، فالقيام بأنشطة جماعية مثل: الألعاب العائلية، أو التنزّه الأسري، أو تناول وجبات الطعام معًا يعزز التفاعل الإنساني ويعمق الروابط الأسرية، كما أن تنظيم جلسات نقاش دورية لتبادل المشاعر والتجارب يساعد في بناء علاقات أقوى، ويشجع على التعبير المباشر عن المشاعر.

ثالثًا: من المهم مراقبة تأثير استخدام التكنولوجيا في الصحة النفسية والعاطفية، ويمكن للأفراد تقييم الأثر الذي تتركه التكنولوجيا على حياتهم، واستشارة المختصين في ذلك إذا لزم الأمر؛ فتجنب الاستخدام المفرط للتكنولوجيا، والالتزام بحدود زمنية معينة لاستخدام وسائل التواصل الاجتماعي والألعاب الإلكترونية يساعد في تقليل الإجهاد والتوتر، ويعزِّز فرص التكامل والتواصل الفعَّال.

رابعًا: يجب تعليم الأفراد -لا سيما في سن مبكرة- كيفية استخدام التكنولوجيا بحكمة من خلال التدريب على التوازن الرقمي، فالتشجيع على الاستراحة من الشاشات وتخصيص فترات راحة دورية يساعد في تقليل الإجهاد البصري والعقلي، كما ينبغي تعليم الأفراد -خاصة النشء والشباب- كيفية استخدام التكنولوجيا بطريقة إيجابية، بما يسهم في تعزيز العلاقات العائلية والاجتماعية.

خامسًا: يمكن تعزيز الوعي الأسري بتأثيرات التكنولوجيا من خلال إشراك الأسرة في مناقشة استخدام التكنولوجيا وكيفية تأثيره في العلاقات؛ حيث إنّ وضع قواعد عائلية واضحة بشأن استخدام التكنولوجيا في المنزل يعزّز التوازن بين التفاعل الرقمي والتواصل الشخصي. كما أن بناء نظام دعم عاطفي متين بين أفراد الأسرة والأصدقاء يدعم التفاعل الإيجابي، ويقلل من الشعور بالعزلة.

وختامًا، لا مفر للإنسان من مواكبة التطورات التي تحدث في العالم من حوله، لأن التجديد والتطور من سنن الله في الكون، وهو ما عليه حال الدنيا منذ أن خلق الله آدم إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها. ولكن الإنسان في الوقت ذاته مأمور بالاستفادة من ذلك التطور بما يخدم الهدف الأسمى والغاية التي أرادها الله من عباده، وهي إعمار الكون وعبادته والتكامل والتعارف؛ لذا لا ينبغي أن يكون التطور ومواكبة التجديد والرقمنة مسوِّغًا لقطع الصلات الإنسانية، وإفساد الجانب الوجداني من النفس البشرية، أو استغلال تلك الوسائل في أغراض سلبية؛ بل يلزم توظيف تلك الوسائل الحديثة في تعزيز أواصر التواصل الإيجابي بين البشر، والعمل معًا على إعمار الكون، وحماية البيئة، ونشر السلام والتعايش.

وحدة البحوث والدراسات


المصادر:

أمين، رضا عبد الواجد (2016). تأثير التواصل الاجتماعي على العلاقات الاجتماعية دراسة ميدانية في ضوء نظريتي الحتمية التكنولوجية والقيمية، مجلة قسم العلاقات العامة ، كلية الاعلام، جامعة القاهرة.

محمد، زهاق؛ عبد القادر، بغداد باي؛ عبد القادر، دريدي (2021). أثر الهواتف الذكية على العلاقات الاجتماعية للشباب، مجلة الفكر المتوسطي، مج (10)، ع(1)، ص 157 – 176.

شكيرت، آسيا (2016). أثر شبكات التواصل الاجتماعي في تغيير أنماط العلاقات الأسرية، دراسة استقرائية ميدانية، مؤتمر ضوابط استخدام شبكات التواصل الاجتماعي في الإسلام، مج (4).
 

الموضوع السابق سلاح جديد يثخن جراح الأزمة: مقتل عشرات الروهينجا النازحين في غارات بمسيرات
الموضوع التالي تكليف الشيخ جمال عباس مديرًا للدعوة بمنطقة وعظ الإسماعيلية
طباعة
93

أخبار متعلقة