مأساة مسلمى الروهينجا

 

"عُرف واني" وزواج الأطفال القسري!
Sameh Eledwy
/ الأبواب: قضــايا أخرى

"عُرف واني" وزواج الأطفال القسري!

     على الرغم من أننا في القرن الحادي والعشرين، حيث وصل الإنسان إلى مرحلة متقدمة من التطور العلمي والتكنولوجي، التي أثَّرت بدورها على النهوض بالمجتمعات وسنِّ القوانين، التي من شأنها أن تكفل حقوق البشر، وعلى الرغم من إبرام المعاهدات والمواثيق الدولية، التي تحفظ حقوق الناس، إلا أن المفارقة العجيبة أن يكون هناك أناس في هذا العالم المـُتحضر، لا يزالون يحتكمون إلى أعراف تنتهك حقوق النساء والأطفال على حد سواء.

إن وحدة الرصد باللغة الأردية بمرصد الأزهر لمكافحة التطرف، معنية برصد كل مظاهر التطرف والعنف والإرهاب في سياق اللغة الأردية بالمقام الأول، وكذلك الممارسات غير الإنسانية التي تُمارس ضد الأفراد باسم الدِّين أحيانًا، وباسم الأعراف والتقاليد أحيانًا أخرى، وهذا بهدف تسليط الضوء عليها، ولفت الأنظار إلى ضرورة تقديم حلول جذرية لها؛ للحفاظ على قيمة الإنسان وكرامته التي كفلتها له الشرائع السماوية، والمواثيق الدولية كذلك، والتي لا وجود لها في بعض مناطق العالم حتى يومنا هذا. ففي باكستان لاتزال هناك مناطق، وخصوصًا منطقة القبائل شمال غرب البلاد، وبعض مناطق إقليمي السِّند والبنجاب، يتم فيها تسليع المرأة؛ لا سيما الفتيات الصغيرات، ومعاملتهن كالأمتعة والدَّواب، وكل ذلك باسم أعراف وتقاليد غير إنسانية؛ حيث يتم استغلال النساء في حلِّ المنازعات بين القبائل المتناحرة، وتقديمهن كقرابين أو دِيَاتٍ لأهل المقتول، فيما يُعرف بعرف "واني" أو "سواره".

ما هو عرف "واني"؟

"واني" هو عُرف سائد في أفغانستان، وبعض مناطق باكستان يُستخدم في حلِّ النزاعات الثأرية بين قبيلتين، تُمنح بمقتضاه فتاة أو طفلة -قسرًا- كنوع من العقاب على الجرائم التي ارتكبها أحد أفراد عائلتها الذكور، بقرار من مجلس شيوخ القبائل (جيركا)[1]، ولتلك العائلة أو القبيلة أن تفعل في الفتاة كما شاءت.

وعرف "واني" هو عرف غير إنساني قديم جدًا، تم تطبيقه منذ ما يقرب من 400 عامًا، عندما خاضت قبيلتان من قبائل "البشتون" حروبًا دموية سقط فيها حوالي 800 قتيل، في هذا الوقت حاول مجموعة من عقلاء القبائل حلَّ هذا النزاع، فتمت الدعوة إلى انعقاد مجلس شيوخ القبائل "جيركا" للفصل في هذا النزاع، والذي قرَّر بدوره منح فتيات من القبيلة التي وقع عليها العقاب، للزواج قسرًا من رجال القبيلة الأخرى، بدلًا من القصاص بالقتل، ورأوا أن هذه هي الطريقة الوحيدة لحلِّ هذا النزاع. ومنذ ذلك الحين يتم توارث عرف "واني" جيلًا بعد جيل حتى وقتنا الحاضر.

ورغم مرور أربعة قرون فإن هذا التقليد البربري لا يزال يمارس في مناطق مختلفة من إقليم السند وبلوشستان وخيبر بختونخوا، وله مسميات مختلفة، ووفقًا لأحد التحقيقات فإنه من ضمن أسباب لجوء البعض إلى مجلس شيوخ القبائل، وما إلى ذلك من المحاكم العرفية، ضعف النظام القضائي؛ حيث يطول أمد المحاكمات القضائية الرسمية بينما يحكم مجلس شيوخ القبائل "جيركا" بشكل فوري. وبالتالي فإن أكثر ضحايا هذا العرف القاسي من الأطفال، الذين ينتمون إلى عائلات فقيرة، وقد يصل الأمر إلى أن تُعطى طفلة رضيعة باسم هذا العرف، وفي أغلب الأحوال تُزوَّج تلك الفتيات الصغار إلى رجل طاعن في السن.

أنواع "واني"

ينقسم "واني" إلى ثلاثة أنواع:

الأول- "واني" من طرف واحد: وفيه تعطى فتاة من إحدى العائلات إلى عائلة أخرى، وغالبًا ما تمارس ضدها أشكالا متعددة من العنف قد تصل إلى حد القتل؛ فعلى سبيل المثال، في السادس عشر من يونيو لعام 2005 تعرضت إحدى ضحايا "واني" في منطقة "كوت سلطان" جنوبي البنجاب للضرب من قبل زوجها والذي أسفر عن موتها، وقد قرَّر مجلس شيوخ القبائل في المنطقة إعطاء أخت الجاني إلى أخ الضحية.

الثاني- "واني" ثنائي متبادل: وفي هذا النوع يتم تبادل الفتيات بين العائلتين؛ وفي بعض الحالات عندما تتعرض إحدى الفتيات للاعتداء، يتم الرد من قبل عائلتها بالمثل على الفتاة التي لديهم.

الثالث- هو "واني" ثلاثي: ويتم خلاله إجبار إحدى العائلات على إعطاء أكثر من فتاة ومبلغ من المال.

حالات لعرف "واني":

في عام 2008، وقع نزاع ثأري طويل الأمد بين قبيلتين في منطقة نائية من إقليم بلوشستان، أسفر ذلك النزاع عن مقتل 19 شخصًا من بينهم خمس سيدات، وفي النهاية تمَّ حلُّ النزاع بتسليم 15 فتاة تتراوح أعمارهن بين ثلاث إلى عشر سنوات؛ من أجل الزواج القسري.

في عام 2012، أُجبرت 13 فتاة تتراوح أعمارهن بين 4 و16 عامًا، على الزواج لتسوية نزاع بدعوى القتل بين عشيرتين في باكستان. تمت محاكمة القضية من قبل مجلس شيوخ القبائل "جيركا" وكان قرار المجلس "واني" وهو أمر يقضي بتسليم الفتيات الـ 13 كزوجات لقبيلة المجني عليه، وكل ذلك بسبب جريمة ارتكبها رجلٌ واحدٌ لم يتم العثور عليه للمحاكمة!

في عام 2014، في نزاع بين عائلتين، تم إعطاء طفلتين كتعويض لحلِّ النزاع كانت إحداهما تبلغ من العمر 6 سنوات والأخرى 7 سنوات.

مؤخرًا في الرابع من فبراير من العام الحالي 2021 في منطقة "سوات" بإقليم "خيبر بختونخوا" تم الإبلاغ عن حالة زواج قسري لطفلة في السادسة من عمرها، حيث كانت مُقدمة للزواج من أحد الأطراف في نزاع بين عائلتين، كتعويض عن قتل أحد أبناء إحدى العائلات، وذلك بناءً على قرار من مجلس شيوخ القبائل "جيركا".

في عام 2004 تم إضافة المادة 310 على قانون العقوبات الباكستاني، والتي تفيد بأن تزويج فتاة أو امرأة في إطار حلِّ المنازعات يُعدُّ جريمة تستوجب العقاب.

في عام 2011 تم إجراء تعديل آخر على القانون عُرف بقانون "حظر الممارسات المعادية للمرأة" (Prevention of Anti-Women Practices) والذي ينص على أن استخدام النساء كثمن للصلح في شكل "واني" أو "سواره" يُعد جريمة خطوات الحكومة للحدِّ من هذه الظاهرة يعاقب عليها القانون بالحبس، مدة لا تقل عن ثلاث سنوات، ولا تزيد على ست سنوات. بالإضافة إلى أنه في حالة ثبوت الجريمة، يعاقب بغرامة قدرها خمسمائة ألف روبية.

في عام 2018 أقرَّت المحكمة العليا بباكستان، أن نظام ما يُعرف بمجلس شيوخ القبائل "جيركا" مخالف لحقوق الإنسان الأساسية.

القانون الدولي وعرف "واني"

جاء في المادة الأولى من "الإعلان العالمي لحقوق الإنسان": "يولد جميع النَّاس أحرارًا ومتساوين في الكرامة والحقوق. وهم قد وهبوا العقل والوجدان، وعليهم أن يعاملوا بعضهم بعضًا بروح الإخاء."[2] وبذلك يتعارض عرف "واني" مع المادة الأولى من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، التي تعتبر جميع البشر متساوين منذ ولادتهم، في الكرامة والحقوق؛ حيث يتم تجاهل رأي المرأة في الزواج، واعتبارها دون حقوق، وتسليمها دون رغبتها إلى الطرف الآخر؛ وبالتالي فإن هذه الممارسة مخالفة لأقل مبادئ حقوق الإنسان.

"المادة 16 (1) للرجل والمرأة -متى أدركا سنَّ البلوغ- حقُّ التزوُّج وتأسيس أسرة، دون أيِّ قيد بسبب العِرق أو الجنسية، وهما متساويان في الحقوق لدى التزوُّج، وخلال قيام الزواج ولدى انحلاله. (2) لا يُعقَد الزواجُ إلاَّ برضا الطرفين المزمع زواجهما رضاءً كاملًا لا إكراهَ فيه."[3]

فتتيح المادة 16 من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان المساواة الرجل بالمرأة، في حقِّ الزواج وتأسيس الأسرة، وعدم إكراه أيِّ طرف منهما على الزواج بأيِّ شكل من الأشكال، بينما في "واني" لا يتم طلب موافقة المرأة في الزواج، ولا الرجل أيضًا فكلاهما ضحية، وهما مجبران على الزواج لإنهاء العداوة القائمة بين العائلتين.

والمادة 13 من "اتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة" تقول: "تتخذ الدول الأطراف جميع التدابير المناسبة للقضاء على التمييز ضد المرأة في المجالات الأخرى للحياة، الاقتصادية والاجتماعية لكي تكفل لها، على أساس المساواة بين الرجل والمرأة نفس الحقوق، ولاسيما:

أ) الحق في الاستحقاقات العائلية.

ب) الحق في الحصول على القروض المصرفية، والرهون العقارية وغير ذلك من أشكال الائتمان المالي.

ج) الحق في الاشتراك في الأنشطة الترويحية والألعاب الرياضية وفى جميع جوانب الحياة الثقافية.[4]

تقر هذه المادة وتؤكد ما جاء في الإعلان العالمي لحقوق الإنسان أن للرجل والمرأة نفس الحقوق، ومن بينها الاستحقاقات العائلية، بينما في "واني" لا يوجد مفهوم الموافقة أصلًا على إتمام الزواج، والأدهى من ذلك أن أغلب حالات الزواج تكون الضحية فيها "طفلة".

والخلاصة أن "واني" ممارسة وحشية قديمة لا تزال تستهدف النساء والأطفال في بعض مناطق باكستان حتى وقتنا الحاضر، تُمنح بمقتضاها الفتيات كتعويضٍ للطرف المتضرر، ويفلت الجاني من العقاب، وتضطر فتاة بريئة –غالبًا ما تكون طفلة- إلى دفع ثمن جريمة لم ترتكبها طيلة حياتها، ويتم قبول ذلك كوسيلة للحفاظ على السلام بين القبائل والعائلات، لكن أيُّ سلام ذلك الذي يقوم على معاناة الأطفال والنساء؟! وبالرغم ذلك فإنه غالبًا ما تتعرض تلك الفتيات إلى اعتداءات ممنهجة، ويضطرّن إلى العيش في حالة أشبه ما تكون بالعبودية في منازل أعدائهن.

إن متابعة مرصد الأزهر لهذه القضية ولو بشكل عابر تدق ناقوس الخطر عن الممارسات التي لا تزال تعاني منها المرأة في بعض المجتمعات، وبالتالي إغفال حقوقها وتدمير إنسانيتها وتهميشها عن الدور المحوري والأساسي الذي تقوم به داخل المجتمعات المختلفة. إن هذا الشكل من استغلال المرأة بلا شك هو شكل من أشكال التطرف التي نهى الإسلام عنه وأعطى للمرأة حقها في الحياة بشكل طبيعي لها ما للرجل وعليها ما عليه من الحقوق والواجبات واعتبرها الإسلام جزءا أساسيا وركنا ركينا في بناء المجتمع، وبالتالي فإن الاعتداء على حقوقها هو هدم للبنة المجتمع الأساسية وشكل واضح من أشكال التطرف.

وحدة رصد اللغة الأردية

 

[1] جيركا هو مجلس قضائي قبلي عرفي لحل النزاعات.

[2] https://www.un.org/ar/universal-declaration-human-rights/index.html  المادة الأولى من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان

[3] https://www.un.org/ar/universal-declaration-human-rights/index.html المادة 16 من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان

[4] المادة 13 من "اتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة"  https://www.ohchr.org/ar/professionalinterest/pages/cedaw.aspx

الموضوع السابق الرئيس التونسي والإمام الأكبر يتفقان على تشكيل لجنة علمية لخدمة الثقافة الإسلامية
الموضوع التالي الإمام الأكبر يهدي الرئيس التونسي نسخة من وثيقة الأخوة الإنسانية
طباعة
10132