سلسلة الصهيونية
(1) الصهيونية: تاريخ تطور المفهوم والمصطلح
في هذه السلسلة سنضع بين يدي القارئ مجموعة من المقالات تتناول كل ما يتعلق بالصهيونية، من حيث أصل الفكرة، وأسباب بروزها والدعوة إليها، ودور المفكرين الأوائل، وموقف الجماعات اليهودية منها، وكيف تبلورت الفكرة في صورة منظمة سياسية، وأنواع الصهيونية، مرورًا بتاريخ الاحتلال الاستيطاني الصهيوني على الأراضي الفلسطينية، وأبرز التنظيمات الصهيونية المسلحة، وجرائمها الإرهابية على الأراضي الفلسطينية، وصولًا إلى عرض سياسات الكيان الصهيوني المتطرفة وممارساته العنصرية في حق الشعب والأرض والمقدسات وفي المقدمة المسجد الأقصى المبارك.
ومن ثم، وجب التمهيد للحديث عبر النظر في تاريخ تطور المفهوم والمصطلح؛ إذ يُعَدُّ هذا مدخلًا رئيسًا لدراسة الصهيونية التي نرمي إلى تناولها بتفصيل وافٍ دون إسهاب. في البداية يمكن القول: لم يُطرح مصطلح "الصهيونية" بوصفها حركة سياسية منظمة إلا في القرن التاسع عشر، ومع هذا يستعمل للإشارة إلى بعض النزعات في التاريخ الغربي، بل داخل النسق الديني اليهودي قبل هذا التاريخ. وسنحاول فيما يلي أن نشير إلى بعض استعمالات هذا المصطلح ونوردها في تسلسلها التاريخي، علمًا بأن كل دلالة جديدة لا تنسخ بالضرورة ما سبقها، وإنما تُضاف إليها فتزيد المجال الدلالي اتساعًا وتناقضًا، وتجعل المصطلح تركيبًا تراكميًّا. (1)
مصطلح "الصهيونية" بالمعنى الديني:
لا تشير كلمة "صهيون" في التراث الديني اليهودي إلى جبل صهيون والقدس فحسب، بل إلى الأرض المقدسة ككل. كما تستعمل للإشارة إلى اليهود كجماعة دينية. والواقع أن العودة إلى (صهيون) أو (أرض الميعاد) فكرة محورية في الفكر الديني اليهودي، إذ إن أتباع هذه العقيدة يؤمنون بأن (هَمَّاشِيَّحْ) أو (المسيح المخلص) سيأتي في نهاية الزمان ويقود شعبه إلى (صهيون) ويحكم العالم حكمه الألفيّ (الممتد لألف عام) فيسود العدل والرخاء.
ولكلمة "صهيون" إيحاءات دينية في الوجدان اليهودي، فقد جاء في [المزامير: 137/ 1] على لسان جماعة "يسرائيل" بعد تهجيرهم إلى بابل: "جلسنا على ضفاف أنهار بابل وذرفْنا الدمع حينما تذكرنا صهيون". وقد وردت إشارات شتى في العهد القديم من الكتاب المقدس إلى هذا الارتباط بصهيون الذي يطلق عليه عادة "حب صهيون"، وهو حب يعبر عن نفسه من خلال الصلاة والطقوس الدينية اليهودية المختلفة، وفي أحيان نادرة على شكل الذهاب إلى فلسطين للعيش فيها بغرض التعبد.
لذلك كان المهاجرون اليهود إلى فلسطين يعيشون على الصدقات التي يرسلها أعضاء الجماعات اليهودية في العالم. فكان العيش في فلسطين من أعمال التقوى يثاب فاعله في الآخرة، ولذا فإنه لا تربطه رابطة كبيرة بالاستيطان الصهيوني(2)، خاصةً وأن اليهودية الحاخامية (الأرثوذكسية)(3) تُحَرِّم محاولة العودة الجماعية الفعلية إلى فلسطين، وتعتبرها تجديفًا وهرطقةً وهو من قبيل "דחיקת הקץ دحيكات هكيتس" أي: "التعجيل بالنهاية"، وهذا سيؤدي إلى هلاك اليهود. فاليهودية تؤمن بأن العودة إلى "أرض الميعاد" ستتم في الوقت الذي يحدده الرب وبطريقته، وأنها ليست فعلًا بشريًّا. وهذه النزعة الدينية اليهودية لا علاقة لها بالاستيطان الصهيوني الفعلي والمادي في فلسطين حاليًا، ولا حتى بما يسمى "الصهيونية الدينية" في وقتنا الحالي.
ويطلق اصطلاح "الصهيونية" أيضًا على نظرة محددة لليهود ظهرت في أوروبا (خصوصًا في الأوساط الإنجيلية البروتستانتية في إنجلترا ابتداءً من أواخر القرن السادس عشر) وترى أن اليهود ليسوا جزءًا من التشكيل الحضاري الغربي، يتمتعون بالحقوق والواجبات نفسها، وإنما تنظر إليهم باعتبارهم شعبًا مختارًا، وطنُه المُقَدَّس في فلسطين، ولذا يجب أن يُهَجَّرَ إليها. وقد استمر هذا التيار المنادي بتوطين اليهود في فلسطين حتى بعد أن خمد الحماس الديني الذي صاحب حركة الإصلاح الديني(4). ويطلق على هذه النزعة اسم "الصهيونية المسيحية"(5).
ومع تزايد معدلات العولمة في المجتمعات الغربية، ظهرت نزعات ومفاهيم صهيونية في أوساط الفلاسفة والمفكرين السياسيين والأدباء، تنادي بإعادة توطين اليهود في فلسطين باعتبارهم شعبًا منبوذًا تربطه بها علاقة مستندة لأسباب تاريخية وسياسية. ويطلق على هذا الضرب من الصهيونية "صهيونية غير اليهود" أو "صهيونية الأغيار".
والملاحظ أن مصطلح "صهيونية" نفسه لم يكن قد وُضِع بعد، ومع هذا كان مفهوم الصهيونية مفهومًا متداولًا على نطاق واسع بين الفلاسفة والمفكرين والشعراء والمهووسين الدينيين. ولكن مع تبلور الهجمة الإمبريالية(6) الغربية على الشرق، وخاصة الشرق الإسلامي، ومع تبلور الفكر المعادي لليهود في الغرب (بسبب ظهور الدولة العلمانية المركزية التي همشت دور اليهود داخل مجتمعاتهم)، ومع تصاعد معدلات العولمة بدأ مفهوم الصهيونية نفسه في التبلور والتخلص من كثير من أبعاده الغيبية الدينية، وانتقل إلى عالم السياسة والمنفعة المادية ومصالح الدول(7).
ليس من الغريب إذن أن نجد نابليون بونابرت أول غازٍ غربي للشرق الإسلامي في العصر الحديث، وواحدًا من أهم المعادين لليهود في العالم الغربي (كما يدل على ذلك سجله في فرنسا) وواحدًا من أهم دعاة العلمانية، وهو أيضًا صاحب أول مشروع صهيوني حقيقي، إذ دعا اليهود للاستيطان في بلاد "أجدادهم"!(8)
وقد أصبح مفهوم الصهيونية مفهومًا أساسيًّا في الخطاب السياسي الغربي عام 1841م مع نجاح أوروبا في بلورة مشروعها الاستعماري ضد العالم العربي والإسلامي الذي حقق أول نجاح حقيقي له في القضاء على مشروع "محمد علي" في تحديث مصر، ومع تفاقم المسألة اليهودية(9) التقت المسألة الشرقية بالمسألة اليهودية وساد التصور القائل بإمكان حل المسألتين من خلال دمجهما.
كذلك تبلورت المفاهيم الصهيونية وملامح المشروع الصهيوني تبلورًا كاملاً في الفترة بين منتصف القرن التاسع عشر وعام 1880م على يد المفكرين الصهاينة غير اليهود "لورد شافتسبري" و"لورانس أوليفانت". وقد لخَّص "شافتسبري" التعريف الغربي لمفهوم الصهيونية في عبارة أرض بلا شعب، لشعب بلا أرض (في كلمات تقترب كثيرًا من الشعار الصهيوني). وقد حاول "أوليفانت" أن يضع المشروع الصهيوني موضع التنفيذ.
ويلاحظ أن هذا التناول يضع تاريخ تطور مفهوم الصهيونية في سياق التاريخ الفكري والسياسي والعسكري الغربي، دون العودة إلى العهد القديم أو ما يسمى "التاريخ اليهودي" (إلا في محاولة دراسة المقدمات المؤسِسة). فحتى العقود الأخيرة من القرن التاسع عشر لم يكن يربط اليهود أو اليهودية علاقة كبيرة بالصهيونية كفكرة أو مفهوم أو مشروع سياسي واقتصادي وعسكري.
وبدأت النزعات الصهيونية تظهر بين اليهود أنفسهم في أواخر القرن التاسع عشر مع تفاقم "المسألة اليهودية"، وعبّرت عن نفسها في بادئ الأمر عن طريق المساعدات التي كان أثرياء اليهود في الغرب يدفعونها للجمعيات التوطينية المختلفة التي كانت تهدف إلى توطين يهود شرق أوروبا في أي بلد (ويشمل ذلك فلسطين) حتى لا يهاجروا إلى غربها فيعرِّضوا مكانتهم الاجتماعية وأوضاعهم الطبقية للخطر(10). وعبَّرت النزعة الصهيونية في شرق أوروبا عن نفسها من خلال جماعات "أحباء صهيون"(11) التي حاولت التسلل إلى فلسطين للاستيطان فيها. وتوصف هذه النزعات أيضا بأنها "صهيونية" رغم اختلاف الدوافع بين الفريقين الأول والثاني.
وقد نَحَتَ المصطلح نفسه المفكر اليهودي النمساوي "نيثان بيرنباوم" في أبريل 1890م في مجلة "الانعتاق الذاتي" وشرح معناه في خطاب بتاريخ 6 من نوفمبر 1891م قال فيه:" الصهيونية هي إقامة منظمة تضم الحزب القومي السياسي إضافة إلى الحزب ذي التوجه العملي (أحباء صهيون) الموجود حاليًا".
وصرح في المؤتمر الصهيوني الأول عام 1897م:" ترى الصهيونية أن القومية والعرق والشعب شيء واحد". وهكذا فقد أعاد (بيرنباوم) تعريف دلالة مصطلح "الشعب اليهودي" الذي كان يشير فيما مضى إلى جماعة دينية إثنية، فأصبح يشير إلى جماعة عرقية (بالمعنى السائد في ذلك الوقت)، وتم استبعاد الجانب الديني منه تمامًا. وأصبحت الصهيونية هي الدعوة القومية اليهودية التي جعلت من السمات العرقية اليهودية (ثم السمات الإثنية في مرحلة لاحقة) قيمة نهائية مطلقة بدلًا من الدين اليهودي، وخلصت اليهودية من المعتقدات المشيحانية، وهي الحركة التي تحاول أن تصل إلى أهدافها من خلال العمل السياسي المُنَظَّم لا من خلال الصدقات. ورغم أن (بيرنباوم) كان يهدف إلى الدعوة إلى ضرب جديد من التنظيم السياسي مقابل جهود أحباء صهيون التسللية، فإن المصطلح استخدم للإشارة إلى الفريقين معًا.
وبعد المؤتمر الصهيوني الأول في بازل 1897م، تحدد المصطلح وأصبح يشير إلى الدعوة التي تبشر بها المنظمة الصهيونية وإلى الجهود التي تبذلها، وأصبح الصهيوني هو من يؤمن ببرنامج بازل (في مقابل المرحلة السابقة على ذلك، أي مرحلة أحباء صهيون بجهودها التسللية المتفرقة). بعد ذلك، بدأت دلالات الكلمة تتفرع وتتشعب، فهناك "صهيونية سياسية" وهو اصطلاح مرادف لما يسمى "الصهيونية الدبلوماسية"، ويشير كلا المصطلحين إلى المناورات السياسية، والجهود الدبلوماسية التي تؤدي إلى تحقيق الهدف الصهيوني، وهو السعي لدى القوى الإمبريالية الكبرى في أوروبا لضمان تأييدها للاستيطان الصهيوني في فلسطين، وتأييد الهجرة اليهودية إليها، ودعمها تمهيدًا لإقامة الوطن القومي اليهودي في الأرض المقدسة - أرض فلسطين.
هنا يمكننا القول: إن الحركة الصهيونية حركة سياسية بحتة لا تستخدم الدين اليهودي إلا بطريقة ذرائعية حيث تستغله في تحريك العامة من اليهود، فالعنصر الديني فيها غير أصيل، وهو عنصر استخدمه الصهاينة لخدمة الحركة الصهيونية في تسهيل مهمتها بالتعاطف معها ومساعدتها في تنفيذ مخططاتها الخبيثة. وهناك "الصهيونية العملية"، وهو تيار دعا إلى ضرورة العمل على تنظيم هجرة يهودية مكثفة إلى فلسطين، وتنظيم الاستيطان اليهودي فيها، وإقامة المؤسسات لتنظيم خطط الهجرة، والاستيطان دون انتظار لصدور تصريح، أو ترخيص بذلك؛ وذلك من منطلق أنه بدون وقائع في الميدان لن تكون هناك مقترحات جادة للحلول.
وتبعتها "الصهيونية التوفيقية"، وتذهب الصهيونية التوفيقية إلى أن كل الاتجاهات الصهيونية غير متناقضة، بل يكمل الواحد منها الآخر، ومن ثم يسهل التوفيق بينها. ومع أن كل صهيونية لها توجهها، وأسلوبها الخاص، فإنهم جميعًا لا يختلفون في الهدف النهائي. تبلور المفهوم الغربي للصهيونية تمامًا في "وعد بلفور" الذي مُنح "للشعب اليهودي"، وأشار للعرب باعتبارهم الجماعات غير اليهودية، أي إن اليهود أصبحوا شعبًا بلا أرض، وفلسطين أصبحت أرضًا بلا شعب.
ثم ظهر مصطلح "الصهيونية الثقافية" الذي رأى أن تحقيق النهضة الوطنية للشعب اليهودي يجب أن يتحقق من خلال إنشاء مركز ثقافي في أرض (فلسطين)، ومركز تعليمي ليهود الشتات، واللذيْن سيكونان معًا حصنًا ضد خطر الاندماج، والذوبان الذي يهدد وجود اليهود. أما "الصهيونية الدينية" فهو تعبير يطلق على كل التيارات الدينية داخل الحركة الصهيونية، ويعتمد المنطلق الفكري للصهيونية الدينية على التوراة كسند يُعطي الحق لليهود بإقامة وطن قومي في فلسطين. على عكس التيارات الدينية الأخرى التي ترى أن قيام (دولة إسرائيل) لا يتحقق إلا بظهور "الماشيَّح"(12).
وأما اليوم فإن كلمة "صهيونية" تعني في العالم العربي "الاحتلال الاستيطاني الإحتلالي (أي: إحلال شعب محل آخر) في فلسطين الذي ترسَّخَ بدعم من الغرب". وتحمل الكلمة إيحاءات دينية لدى كثير من العرب المسلمين أو غيرهم من الذين يرون أن الصراع العربي / الصهيوني صراع ديني.
يتبع،
...انتهى المقال الأول من السلسلة...
إيضاحات :
(2) الاستيطان الصهيوني هو: دعوة الحركة الصهيونية يهود العالم للهجرة والاستيطان في أراضي فلسطين المحتلة لأغراض سياسية ودينية وعنصرية.
(3) اليهودية الحاخامية (الأرثوذكسية) هم جماعة اليهود المتمسكون بنصوص التوراة (المحرفة)، والذين يطبقون الشريعة اليهودية تطبيقًا متشددًا في حياتهم اليومية.
(4) حركة الإصلاح الديني في أوروبا هي حركة أسسها الراهب الألماني "مارتن لوثر" الذي دعا إلى إصلاح الكنيسة والحد من تجاوزاتها واضطهادها للناس. ولقد كانت المناداة بهذا الإصلاح مقدمة نتج عنها لاحقًا إقصاء كنيسة "روما" عن المشاركة في حكم "أوروبا" والحد من سيطرتها على حياة الإنسان الأوربي والتدخل في كل تفاصيلها.
(6) الإمبريالية هي سياسة تتبعها دول معينة، وتعني توسيع السلطة والسيطرة عن طريق استخدام القوة التي غالبًا ما تكون قوة عسكرية، وتحدث من خلال الاستيلاء على الأراضي وفرض السيطرة السياسية والاقتصادية عليها.
(12) ثم ظهرت "الصهيونية الديموقراطية" و"الصهيونية العمالية"، و"الصهيونية التصحيحية"، و"الصهيونية الراديكالية" وغيرها. وسيأتي ذكر ذلك في حينه بإذن الله تعالى.
الهوامش:
([1]) محتوى هذا المقال مقتبس (بتصرف) من موسوعة اليهود واليهودية والصهيونية، للدكتور عبد الوهاب المسيري، مج 6 (الصهيونية)، دار الشروق، ط1، القاهرة 1999م.
(5) يرجع تاريخ ظهور الصهيونية المسيحية للقرن السابع عشر، وهي حركة ودعوة دينية مسيحية، تدعو إلى العصمة الحرفية للكتاب المقدس، والعودة الحقيقية للمسيح، وقيام حكمه الألفي الذي تكون عاصمته مدينة القدس. وصهيونيتها تأتي من دعوتها إلى وجوب عودة اليهود إلى أرض الميعاد (فلسطين) تحقيقا للنبوءات التوراتية المحرفة التي يؤمن بها المسيحيون. ينظر: حنان عبد الحليم شحادة: (بحث) الصهيونية المسيحية ودورها في خدمة المشروع الصهيوني، استكمالًا لمتطلبات الحصول على دبلوم الدراسات الفلسطينية من أكاديمية دراسات للاجئين لعام 2016/ 2017، ص4.
(7) د. عبد الوهاب المسيري، موسوعة اليهود واليهودية، مج 6، دار الشروق، ط1، القاهرة 1999م، ص 14. (بتصرف)
(8) يعتبر "نابليون بونابرت" أول رجل دولة يقترح إقامة دولة يهودية في فلسطين، فعندما توجه نابليون لاحتلال الشام بما فيها فلسطين عام 1799م، وخلال حصاره مدينة عكا، وجه بيانًا دعا فيه يهود العالم للانضمام تحت لوائه لإعادة "مجد إسرائيل الضائع في القدس، وتصبحوا أسياد بلادكم الحقيقيين". ينظر: نقولا طعمة: مقال بعنوان: "الدور الفرنسي في توطين اليهود في فلسطين"، موقع الميادين، تاريخ النشر 29/ 9/ 2019، أحدث اطلاع: 15/ 8/ 2023م. الرابط
(9) بدأ تعبير "المسألة اليهودية" يظهر في الأدبيات الأوروبية في منتصف القرن التاسع عشر، وكان المقصود بها الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية المتردية لليهود في شرق أوروبا؛ حيث كان عددهم في تلك الفترة يبلغ حوالي 4.5 ملايين، من أصل 7.5 ملايين يهودي منتشرين في شتى أنحاء العالم. ينظر: أمين محمود: المسألة اليهودية، مجلة العربي الكويتية، العدد 714، أحدث اطلاع: 20/ 8/ 2023م، رابط المقال (بتصرف يسير).
(10) فالمعاناة الحقيقية لليهود في الغرب لم يشعر بها سوى يهود شرق أوروبا؛ حيث سادت حياتهم العزلة والاضطهاد. أما يهود غرب أوروبا فكانوا قد خطوا خطوات واسعة نحو الاندماج في المجتمعات الغربية، وأصبح من حقهم أن يتولوا وظائف الدولة وأن يزاولوا من الأعمال ما يشاءون، وأن يسكنوا حيث يريدون. وبلغ الأمر أن أصبح أحد اليهود رئيسًا للوزراء في إنجلترا، وهو "بنيامين دزرائيلي" في الفترة من 1874 إلى 1880م. ونشأت بيوت مالية لهم في فرنسا وإنجلترا، من أكبرها بيت "روتشيلد"، وأصبح لهم شأن كبير في الحياة الاقتصادية والمالية، فخشى هؤلاء على أوضاعهم الاجتماعية من هجرة اليهود من شرق أوربا إلى غربها، بسبب اعتقادهم بصعوبة اندماجهم في المجتمع الغربي الجديد. ينظر: إسماعيل أحمد ياغي، الجذور التاريخية للقضية الفلسطينية، دار المريخ للنشر، الرياض 1403هـ-1983م، ص22.
(11) "أحباء صهيون" أو "هواة صهيون"، ترجمة للاسم العبري "حوفيفي تسيون"، وهو اسم يطلق على جمعيات صهيونية نشأت في روسيا سنة 1881م؛ بعد صدور قوانين أيار/ مايو التي فرضت قيودًا على الأقلية اليهودية هناك بين عامي 1881 / 1883م، وعلى حركة المهاجرين اليهود من روسيا وبولونيا ورومانيا إلى فلسطين "الهجرة الأولى 1881 / 1904". وكان هدف حركة أحباء صهيون محاربة اندماج اليهود في المجتمعات التي يعيشون فيها، والعودة إلى صهيون. ينظر: مركز المعلومات الفلسطيني (وفا): تشكيلات (عصابات) سياسية صهيونية قبل عام 1948 (أحباء صهيون)، تاريخ الاطلاع: 12/ 8/ 2023م، الرابط
1487