د. محمود الهباش: الرئيس السيسى سجَّل موقفاً تاريخياً بعقد قمة عالمية أنهت الحرب وأحيت الأمل فى السلام
اللواء سمير فرج: مصر الضامن الحقيقى لاستقرار "غزة".. ووضعت رؤية شاملة للإعمار والمساعدات
د. طارق فهمى: المعضلة الكبرى تكمن فى التزام إسرائيل بالاتفاق وعدم المراوغة فى التنفيذ
اللواء محمد صادق: مصر تحمَّلت مسئولية تاريخية وأخلاقية للحفاظ على استقرار "غزة" ومنع عودة العنف
د. أيمن الرقب: القمة أكَّدت أن حل الدولتين الطريق الوحيد لاستقرار المنطقة كما شدَّد عليه الرئيس السيسى
بعد شهور طويلة من الحرب والدمار والجوع، ووسط أنقاض تشهد على قسوة ما حدث فى غزة، وُقّعت أخيراً اتفاقية السلام فى شرم الشيخ، فى خطوة وصفت بأنها "انفراجة أمل" فى واحد من أكثر الملفات تعقيداً فى الشرق الأوسط، ومع أن التوقيع أطفأ نار الحرب مؤقتاً إلا أنه أشعل فى المقابل أسئلة كبرى حول المستقبل فى غزة: ماذا بعد هذا الاتفاق؟ وهل ستكون غزة على موعد مع الإعمار والاستقرار، أم أننا أمام هدنة جديدة تسبق جولة أخرى من الصراع؟
لقد جاء الاتفاق بعد مفاوضات شاقة امتدت لأسابيع، شاركت فيها أطراف عربية ودولية، بجهود مكثفة من مصر التى رعت هذا الاتفاق، وبوساطة من الأردن وقطر وتركيا والولايات المتحدة وبدعم أممى، ليعلن الجميع عن بداية "مرحلة جديدة من الهدوء"، لكن داخل غزة لا يبدو أن الصورة بهذه البساطة؛ فرغم الاتفاق لا يزال هناك ألم لم ينتهِ، ودمار لم يُرفع، وقلق ما زال يسكن وجوه الناس الذين أنهكتهم الحروب المتكررة، ولهذا تطرح اليوم تساؤلات جوهرية حول مدى صلابة هذا الاتفاق: فهل هو اتفاق دائم أم هدنة مؤقتة تُعيد ترتيب الأوراق؟ وهل ستلتزم الأطراف بتنفيذه على الأرض؟ وما مصير ملفات ثقيلة مثل الإعمار، وإعادة النازحين، ورفع الحصار، وضمان حرية الحركة والعمل لسكان القطاع؟
يرى الخبراء أن الملف الإنسانى سيكون النقطة الأولى والأهم لاختبار جدية طرفى الاتفاقية فى تنفيذ مخرجات قمة السلام، إذ ينتظر أن تبدأ الخطوات بفتح المعابر بشكل دائم أمام دخول المساعدات إلى غزة، تليها مرحلة مصالحة داخلية وتشكيل حكومة وطنية من التكنوقراط من داخل القطاع تحكم غزة، ثم البدء فى عملية إعادة الإعمار كمرحلة أخيرة محورية.
وفى هذا الإطار، وضع الخبراء ثلاثة سيناريوهات محتملة لمستقبل غزة بعد القمة: السيناريو الأول: الضغط الدولى الفعّال، ويتمثّل فى تحرك جاد من الأمم المتحدة والدول الكبرى لفرض هدنة طويلة الأمد، وإطلاق عملية سياسية جديدة بضمانات دولية تضمن حماية المدنيين ورفع الحصار عن القطاع، والسيناريو الثانى: التهدئة المؤقتة، وتقوم على تخفيف العمليات العسكرية لفترة محدودة مقابل ترتيبات إنسانية عاجلة، من دون أى اختراق سياسى حقيقى فى المشهد، والسيناريو الثالث: استمرار التصعيد، إلا أن هذا الاحتمال يبقى مستبعداً وفق تقديرات الخبراء، نظراً لوجود ضمانات وتعهدات دولية، لا سيما من الولايات المتحدة الراعية الأولى لإسرائيل، بعدم العودة إلى دائرة التصعيد.
خطوة تاريخية
يطرح اللواء سمير فرج، الخبير الاستراتيجى، ومدير إدارة الشئون المعنوية الأسبق، السيناريو الأول على أنه الأقرب للتنفيذ، حيث يرى أن الاتفاق يمثّل خطوة تاريخية نحو إنهاء واحدة من أكثر الأزمات الإنسانية والسياسية تعقيداً فى المنطقة، مبيناً أن الجهود المصرية لم تتوقف منذ اليوم الأول للعدوان على غزة، حيث قادت القاهرة تحركات دبلوماسية مكثفة اتسمت بالهدوء والفاعلية، استطاعت من خلالها جمع الأطراف المتنازعة على طاولة المفاوضات، وصولاً إلى هذا الاتفاق الذى يعيد الأمل فى استقرار المنطقة، مشيراً إلى أن مصر كانت ولا تزال الضامن الحقيقى لاستقرار قطاع غزة، بحكم موقعها الجغرافى وصلاتها التاريخية بالفلسطينيين، مضيفاً أن القاهرة لم تعمل فقط على وقف إطلاق النار، بل وضعت رؤية شاملة تشمل إعادة الإعمار، وضمان وصول المساعدات الإنسانية لمواطنى غزة.
وأوضح اللواء سمير فرج أن واشنطن هذه المرة لعبت دوراً مختلفاً، إذ مارست ضغوطاً مباشرة على إسرائيل لوقف القتال، مشيراً إلى أن الرئيس الأمريكى دونالد ترامب الذى تولى بنفسه رعاية المفاوضات النهائية حرص على أن يكون ضامناً لتنفيذ الاتفاق، ووقف العمليات العسكرية ومنع أى تصعيد مستقبلى، وهذه الرعاية جاءت نتيجة قناعة متزايدة بأن استمرار الحرب سيؤدى إلى توسيع رقعة الصراع بالمنطقة، وأن الاستقرار فى غزة يمثّل مدخلاً أساسياً لاستقرار الشرق الأوسط، منوهاً إلى أن المرحلة المقبلة ستكون مرحلة الإعمار.
وبيَّن أن مؤتمراً دولياً لإعمار غزة سيُعقد قريباً برعاية مصرية، وبمشاركة الدول المانحة لجمع التمويل اللازم لإعادة إعمار ما دمرته الحرب، خاصة فى البنية التحتية والمستشفيات والمدارس والمساكن، مؤكداً على أن تشكيل حكومة من داخل غزة يُعدُّ الخطوة الأهم فى هذه المرحلة، لأنها ستمثّل إرادة مواطنى القطاع وستكون نواة لإعادة بناء مؤسسات الدولة الفلسطينية الموحدة.
إعمار "غزة"
من جانبه، يرى الدكتور طارق فهمى، أستاذ العلوم السياسية وخبير العلاقات الدولية، أن مستقبل غزة بعد اتفاقية السلام لا يزال معلقاً على مدى جدية الأطراف فى تنفيذ بنود الاتفاقية، وعلى رأسها مرحلة الإعمار، التى وصفها بأنها الأكثر أهمية وحساسية، كونها تمثّل اختباراً حقيقياً لإرادة المجتمع الدولى فى تحويل الوعود إلى واقع ملموس يخفف من معاناة سكان القطاع بعد سنوات طويلة من الحصار والدمار، مؤكداً أن إعادة الإعمار لن تكون مجرد عملية هندسية أو اقتصادية فحسب، بل مرحلة ستحدد طبيعة رسم شكل الإدارة فى القطاع، ومن ثم مستقبل القضية الفلسطينية برمتها.
وقال فهمى: إن المعضلة الكبرى تكمن فى مدى التزام الجانب الإسرائيلى ببنود الاتفاق، مشيراً إلى أن إسرائيل تاريخياً اعتادت المراوغة فى تنفيذ الاتفاقيات، وتضع دائماً معوقات أمنية وسياسية تحول دون الالتزام الكامل، موضحاً أن إسرائيل ما زالت تبقى تحت سيطرتها الفعلية نحو 53% من مساحة غزة، وهو ما يعكس استمرار النفوذ العسكرى والأمنى الذى قد يقوّض أى تقدم حقيقى نحو تطبيق الاتفاق على الأرض.
وبيَّن أستاذ العلوم السياسية أن خطورة المرحلة القادمة تكمن فى عدم تنفيذ المراحل الجوهرية للاتفاقية، خاصة تلك المتعلقة بالإعمار والحكم المحلى ورفع الحصار وإدخال المساعدات، وهو ما قد يُعيد الأوضاع إلى نقطة الصفر إذا لم يتم التعامل مع الملف بجدية كاملة، مشدداً على أن نجاح الاتفاق مرهون بتوازن سياسى دقيق، وبقدرة الأطراف على تجاوز الخلافات وتحويل الاتفاق من ورق إلى واقع يغيّر حياة الفلسطينيين فى غزة نحو الأفضل.
مرحلة جديدة
اللواء محمد صادق، مساعد وزير الداخلية الأسبق، والخبير الأمنى والاستراتيجى، يؤكد أن اتفاقية السلام الخاصة بقطاع غزة تمثّل خطوة مهمة فى الصراع الفلسطينى الإسرائيلى، لكنها فى الوقت ذاته تفتح باباً واسعاً من التحديات السياسية والأمنية والإنسانية التى ستحدد مستقبل القطاع خلال المرحلة المقبلة، مبيناً أن مصر ستقيم مؤتمراً من أجل إعادة الإعمار مع الدول المانحة وهو ملف مهم إذ يرتبط بعودة الحياة الطبيعية إلى القطاع، وتهيئة بيئة مستقرة تسمح بقيام مؤسسات حكم قادرة على إدارة المرحلة الجديدة، لكن قبل العمل على هذا الملف لابد من مصالحة للجبهات الداخلية فى فلسطين وعمل لجنة تكنوقراط داخلية لحكم غزة.
ويرى أن الجانب الأمنى فى الاتفاقية سيظل هو الأكثر حساسية، لأن إسرائيل ستسعى إلى ربط كل خطوة فى الإعمار بضمانات أمنية مشددة، وهو ما قد يعرقل تنفيذ بعض البنود على الأرض، مشيراً إلى أن إسرائيل لا تزال تُسيطر فعلياً على جزء كبير من غزة، وتتحكم فى المعابر والحدود، ما يجعل تنفيذ أى خطة إعمار يعتمد على التنسيق الأمنى والسياسى بين الأطراف الراعية للاتفاق، ومصر تحملت مسئولية تاريخية وأخلاقية كبيرة فى الحفاظ على استقرار القطاع ومنع عودة العنف.
جهود مخلصة
من ناحيته، قال الدكتور محمود الهباش، مستشار الرئيس الفلسطينى للشئون الدينية والعلاقات الإسلامية، إن الدولة المصرية بذلت جهوداً كبيرة بالتعاون مع الوسطاء، للتوصل لاتفاق وقف إطلاق النار فى غزة، وسجَّلت مصر بقيادة الرئيس السيسى موقفاً تاريخياً بعقد قمة عالمية أكدت قيمة مصر وريادتها العالمية، حيث خطط الرئيس السيسى تخطيطاً دقيقاً لعقد مؤتمر عالمى حضره قادة كبار الدول بمختلف سياساتها ومواقفها مع القضية الفلسطينية، ونجح فى توحيد هؤلاء والوقوف كشهود على هذا الاتفاق التاريخى من أجل إنهاء الحرب فى منطقة الشرق الأوسط وإحلال السلام.
وأكد الهباش أن حماية المواطن الفلسطينى هى حماية للقضية الفلسطينية ذاتها، مشيراً إلى أن الإنسان الفلسطينى هو الذخيرة الأساسية لهذه القضية، موجّهاً الشكر والتقدير لمصر وقيادتها وجميع مؤسساتها التى عملت دون كلل للوصول إلى هذا الهدف الإنسانى والسياسى الكبير، موضحاً أن اللقاء الذى عُقد فى شرم الشيخ يحمل دلالات بالغة الأهمية، ويؤكد أن مصر ماضية بثبات فى دعم القضية الفلسطينية وحمايتها من محاولات التصفية الإسرائيلية.
سلام شامل
ويرى الدكتور أيمن الرقب، أستاذ العلوم السياسية بجامعة القدس، أن قمة شرم الشيخ هى مؤتمر ضخم جمع عدداً كبيراً من قادة وزعماء كبرى دول العالم بالإضافة لدول الوساطة، وقد أعدت القاهرة لهذه القمة بشكل كبير جداً، وكانت تهدف إلى تحقيق عدة أهداف، منها توقيع الاتفاق الذى توصّلت إليه القاهرة بوجود الرئيس الأمريكى دونالد ترامب، وإعادة إعمار غزة، بحيث تكون بيئة قطاع غزة بيئة جاذبة ولا تكون طاردة، وفتح مسارات لعمليات سلام، لذا كان الرئيس السيسى يتحدّث أكثر من مرة عن حل الدولتين وأن تعيش المنطقة فى أمن واستقرار، فى حين أن ترامب لم يتطرق لمثل هذا الموضوع على الإطلاق، ولم يتحدث سوى عن السلام الإبراهيمى وفقط.
وأضاف أن المقاومة أنهت المرحلة الأولى من خلال تسليم الأسرى لديها، ومن ثم تم الإفراج عن جميع المعتقلين لدى الاحتلال، ثم أعقبها تسليم الجثث الإسرائيلية والفلسطينية، ويعقب هذه المرحلة الأولى المرحلة الثانية مباشرة، وهى المطالب الثانية التى تتمثّل فى تشكيل لجنة مستقلة من تكنوقراط، وتفكيك سلاح حماس وإعادة إعمار غزة، وهى لم تبدأ بعد ولم نرَ أى ملامح للمرحلة الثانية حتى الآن، ولكن الأهم فى هذه المرحلة هو ما كان يتوجب على الجانب الأمريكى بحضور الرئيس ترامب، وهو موضوع حل الدولتين الذى يُعدُّ أهم الأسباب التى تُوصل المنطقة إلى الاستقرار كما أكد الرئيس عبد الفتاح السيسى فى جميع خطاباته ولقاءاته حتى فى حضور الرئيس ترامب.
ولفت إلى أن هناك جهوداً كبيرة بُذلت من قِبل دول أوروبية وعربية، وعلى رأسها فرنسا والسعودية فى يوليو وسبتمبر لإحياء حل الدولتين، مؤكداً أن الفلسطينيين يعتبرون أننا فى البدايات للوصول لسلام عادل يفضى إلى قيام دولة فلسطينية، فإن لم يتحقق ذلك فأعتقد أن المواجهات سوف تنتفض بشكل آخر وبطرق أخرى ولن تتوقف فى غزة والضفة إلا بقيام دولة فلسطينية مستقلة على حدود يونيو 67، وعاصمتها القدس الشريف، كما قال بذلك مراراً وتكراراً السياسيون ويُكررها فضيلة الإمام الأكبر الدكتور أحمد الطيب، شيخ الأزهر، فى جميع خطاباته الدولية، ولقاءاته بقادة وزعماء الدول سواء فى رحاب الجامع الأزهر، أو من خلال زياراته الخارجية.
حسن مصطفى
أحمد نبيوة